Site icon IMLebanon

بشري.. «موطن الانتفاضة»

بشري هادئة كعادتها، وليس الاستحقاق البلدي من سيوقظها من سباتها. هنا مسقط رأس «القوات اللبنانية» و «حكيمها»، لذلك بدا لكثيرين بأن المعركة محسومة سلفا… حتّى تحت سقف «الانتفاضة» البشراوية!

«دّق الخطر على الأبواب» صدحت مكبّرات الأصوات باكرا في وسط ساحة مار سابا وصولا الى ثانوية جبران خليل جبران، لكن ليس لدرجة ان يتكبّد الفريق الامني لسمير جعجع عناء الانتقال من معراب الى «القلعة» القواتية.

«الستّ» قامت بالواجب وأكثر، حتّى قبل فتح صناديق الاقتراع، بأسلوبها «الخاص» لحثّ الناخبين من فئة الــ «نصّ نصّ» لحسم خيارهم والوقوف الى جانبها، فقط كي تصل «الوردة»، التي وعدت زوجها بأنها ستصله من أهالي بشري، بـ «أمان وسلام» الى معراب.

«الحكيم»، باعتراف «الست ريدا»، مشغول بـ «مشروع قيام الدولة»، وعينه على القبيات، وظروفه الامنية لا تسمح، لذلك أدار دفّة المواجهة نائبا المنطقة التي لم تحتج حتّى الى نشر مندوبين بشكل مكثّف، أو اللجوء الى التعبئة الانتخابية. المعركة «مريحة»، لأن «نَفَس» بشري معروف. لكن «صوت المعارضة» كان عاليا أمس: هناك فارق بين «قرار بشري وأهلها» و«قرار القوات».

«استعراض» النائب ستريدا جعجع لرؤساء البلديات، في تكرار لما فعلته قبل ستّ سنوات، أوحى بثقة زائدة بالنفس ليست غريبة عن الجسم القواتي الذي طالما تعاطى مع القضاء كـ«تحصيل حاصل».

ما لم يُقرأ بين سطور الترشيحات المعلنة من معراب هو تقصّد القيادة القواتية الاستغناء عن خدمات الجزء الاكبر من رؤساء البلديات الحاليين، واستبدالهم بمن همّ أقرب الى القماشة القواتية، على رأسهم رئيس بلدية بشري انطوان الخوري طوق. الاستفزاز مستمر، لذلك اتى الردّ من بشري نفسها.

على مدى الدورتين الماضيتين وقف «مغامرون»، بوجه «البولدوزر» القواتي، ولم يصمدوا. لطالما ارتاحت «القوات» لعدم وجود منافسين جدّيين بوجهها، إلى ان حصل الاعتراف أمس بأن «هناك منافسة» استدعت التعبئة من أجل رفع نسبة الاقتراع.

عام 2010 خاض مرشّحان منفردان هما طوني طوق وجبران رومانوس طوق معركة إثبات الرأي الآخر في عاصمة القضاء. الأخير كاد ان يخرق اللائحة «القوية»، فأسّست التجربة لقناعة بأن المواجهة ممكنة، فولدت لائحة «بشري موطن قلبي» التي انتشر مندوبوها بكثافة بقمصانهم الخضراء في شوارع بشري وتباهوا بماكينة انتخابية هي عبارة عن كمبيوتر واحد و«تتّكل على مار شربل»، من دون أن يشعروا بعقدة النقص حيال الماكينة الانتخابية الضخمة للائحة «الانماء والوفاء لبشري» التي اتّخذت من صالة فسيحة في فندق «بلاس اوتيل» مقرّا لها.

طَوت معراب ورقة رئيس البلدية الحالي انطوان الخوري طوق، مربّي الاجيال، كما يصفه مؤيدوه، الذي قاوم ضغوط ستريدا جعجع في أكثر من مناسبة وأشعرها بأنه «ليس في الجيبة»، واستبدلته بفريدي كيروز «وديعة» النائب ايلي كيروز في البلدية، مع الابقاء على أربعة أعضاء فقط من المجلس البلدي المؤلّف من 18 عضوا.

«قواتيون»، باسم العائلات، اعترضوا مرّة جديدة على تفرّد القيادة بالقرار وإقحامها بشري بالسياسة واستحضار أرواح الشهداء، فكانت مواجهة «إثبات الوجود» للائحة مكتملة الاعضاء برئاسة جو خليفة رحمة المدعومة من النائب السابق جبران طوق وروي عيسى الخوري ابن شقيق النائب السابق قبلان عيسى الخوري وسعيد طوق وفعاليات تقليدية بشراوية وقواتيين سابقين.

كل من صوّت للائحة «المعارضة» وضع ورقة إضافية في صندوق المآخذ على «نهج» ستريدا جعجع والقيادة: تململ من الاقصاء، والاحتكار، والاحادية، والفوقية، ومصادرة القرار…

يقول رئيس لائحة «بشري موطن قلبي» جو خليفة رحمة «جعجع، ابنة الاقطاع، تتّهمنا باننا بقايا اقطاع؟! نحن معركتنا إنمائية أولا، ورسالة مباشرة ضد الاستئثار. خوض التجربة بحد ذاته إنجاز، بالرغم من كل ما تعرّضنا له من مضايقات وضغوطات».

هكذا، تسمع في بيوتات بشري تساؤلات من نوع «حصلت المصالحة المسيحية الكبرى بين عون وجعجع، فهل يمكن ان لا تحصل المصالحة الاجتماعية بين «القواتيين» أنفسهم؟

كان يصعب في يوم بشري الهادئ حجب الصوت المدوّي لقدامى «القوات» الذين «فلشوا» روايات عن «نضالاتهم» أمس أمام مراكز الاقتراع فقط ليقولوا: «لقد نجونا من الموت في الحرب، لكن يبدو ان هناك من يريد ان يقضي علينا في عقر دارنا، وكأننا اعداء».

يستفزّهم، كما العديد من البشراويين، حديث النائب ايلي كيروز عن «الفارق بين الثقافتين» الذي جعل التوافق مستحيلا في بشري. يترجمون ذلك، بـ «الفجور التخويني»، ولا يرون في الاتكاء على أرواح الشهداء سوى دليل ضعف.

بمنظور القيادة القواتية لا «سوق» هنا لـ «بضاعة» التوافق المسيحي ولا حاجة للترويج لـ «تفاهم الزعيمين»، إلا من باب التحفيز على الاقتراع. جلّ ما احتاجته «القوات» إقناع بعض العائلات «المتمرّدة» بالاسترخاء، لكنها لم تفلح.

يذكّر منسّق هيئة بشري في «التيار الوطني الحر» وليد جعجع بالدعوة الى التوافق في بشري التي اطلقها ميشال عون من 1989 «هنا ليس لدينا أعداء. وبعد التوافق المسيحي حاولنا جاهدين تكريس هذا التوافق والقول: «اننا نكمّل بعضنا»، لكننا اصطدمنا بمن يقول: «هذه لائحتنا» والجميع خارجها، وقد رفضنا هذه التركيبات… بشري والقضاء ليسا فقط «قوات»، ما حدن بيقدر يلغينا!».

يختصر جعجع «العوني» الوضع بالقول: «الخلافات الداخلية بين «القوات» دفعت الطرفين الى عدم تقبّل فكرتنا الانفتاحية بتواجد الجميع ضمن تركيبة واحدة، وما جرى في المدينة انسحب على قرى القضاء».

بالنتيجة، «هيئة التيار» حسمتها. فـ«القوات» التي مارست، برأيها، سياسة الاحتكار في اختيار أعضاء اللائحة والرئيس، قد دفعت عونيي بشري، وإن كانوا بالعشرات فقط، الى خيار دعم اللائحة المقابلة «التي لا تضمّ فقط قواتيين بل كل الفعاليات والاحزاب والتنوّعات».

الاربع بلديات الفائزة بالتزكية في قضاء بشري يصنّفها عونيو بشري ضمن «الإنجازات» «فهي تزكية بالتوافق الذي جمع الاضداد، أما الربح الاكبر ففي بلدة «بان» العونية البشراوية التي خضعت «القوات» للونها البرتقالي».