صفحة الانتخابات البلدية لم تُقلب بعد في «موطن» القوات اللبنانية، بشري. لائحة «بشري موطن قلبي» التي نافست القوات في عقر دارها، خرجت من ضلعها. هذا ما يؤكده على الأقل مسؤول القوات في القضاء. والقيّمون على اللائحة يعقدون الاجتماعات دورياً وهم لن يوقفوا ما بدأوا به
لم تعد «بشري موطن قلبي» مجرد عبارة قالها يوماً جبران خليل جبران عن مسقط رأسه. العبارة التي تحولت شعاراً يُرفع على الجدران وأمام مبنى البلدية في عاصمة القضاء ويوضع كسوار على معاصم الشباب، أصبحت تعني 18 رجلاً وامرأة قرروا من تحت «أرز الربّ» إعلان ترشحهم إلى الانتخابات البلدية في بشري لمنافسة اللائحة الرسمية للقوات اللبنانية، «الإنماء والوفاء».
خلافاً لمناطق أخرى، لم تُقلب بعد صفحة الانتخابات البلدية في هذا القضاء.
اللائحة «المعارِضة» التي تشكلت من قواتيين سابقين وآخرين مستقلين يُطلقون على أنفسهم لقب «المجتمع المدني» لم تخض الانتخابات تحت عنوان سياسي. أعضاؤها آثروا طوال فترة الانتخابات عدم استفزاز الطرف الآخر، وحصر المعركة بعناوين إنمائية. ولكن، جولة صغيرة على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بعد ثلاثة أشهر على «البلدية»، توحي وكأن المعركة بدأت الآن. يعيدون التذكير بأنّ «الانتفاضة» كانت «عا قلة الإحترام، عا الأسلوب الكيدي، عا الاستقواء، والاستخفاف، عالتزلم والمستزلمين…». يرفعون الصوت في ما خصّ أزمة تصريف موسم التفاح، محاولين تقديم حلول ولو أنها بدائية، كتنظيم معرض للتفاح. ويخوضون معركة رفض تعيين مدير لثانوية بشري من خارج المنطقة. سمعوا من وزير التربية الياس بو صعب كلاماً أنه «في بشري ما منزعّل ستريدا (جعجع)»، رفضاً لتعيين شخص هم يختارونه. ولكنهم على الأقل تمكنوا من منع تعيين الأستاذ أنطوان أبو عبد الله (من قضاء زغرتا). في عيد السيدة (منتصف آب)، وضعوا 10 طناجر كبيرة لطبخ الهريسة «إحياءً للتقاليد». وأخيراً، بعد انتخابات رابطة المخاتير حيوا مختار حي السيدة الذي «تجرأ» وحيداً على أن يترشح في وجه لائحة قيل إنها مختارة من قبل «السلطة المختصة».
صحيح أن «موطن قلبي» لم تنل العدد الكافي من أصوات المقترعين للفوز في الانتخابات. بيد أن أعضاءها وضعوا الحجر الأساس لمسيرة لا يبدو أن محطاتها ستنتهي قريباً. زاد من نقمتهم وشدّ عصبهم كلام رئيس الحزب سمير جعجع، حين أطل مع الزميل وليد عبود على قناة «أم تي في» ليصفهم بأنهم «تنكة وبتغطسها بالذهب… بعض الشبيبة زهقوا وجابوا كم شاب… هودي المعترين كانوا بالواجهة». واعتبر جعجع أن النسبة التي حصلت عليها القوات «هي قرابة 63%».
يقول جوزف إسحق إنّ «موطن قلبي» موجودون ولديهم مكانتهم
على مقلب «بشري موطن قلبي»، يلتزمون الصمت. مصادرهم لا توافق على كلام جعجع بأنّ نسبتهم هي أقل من 40٪، «نتيجتنا هي 47٪، زائد 3٪ أوراق بيضاء لمصلحتنا و3٪ أوراق ملغاة لأنه لم يكن لدينا مندوبون لنُرشد المقترعين في أي صندوق يضعون الأوراق». لا يبدو هذا الكلام دقيقاً، فبحسب إحصاءات «الدولية للمعلومات» حصلت لائحة «الإنماء والوفاء» على ما متوسطه 3016 صوتاً ونسبة 58.3٪، بينما حصلت لائحة «بشري موطن قلبي» على ما متوسطه 2010 صوتاً ونسبة 38.9٪، وكان الفارق بين آخر الفائزين وأول الخاسرين 931 صوتاً. قد لا تكون نسبة الأصوات التي حصلت عليها «بشري موطن قلبي» مرتفعة بالنسبة إلى البعض، ولكنها دفعت القوات اللبنانية إلى الاحتفال عشية الانتخابات في عرينها كما لو أنها انتصرت على آل الجميّل في بكفيا أو على التيار الوطني الحر في الحدت.
تؤكد مصادر «موطن قلبي» أن «قوتنا هي من الرأي العام الذي ترتفع نسبة المؤيدين منه لنا بعدما كانوا غير واثقين قبل الانتخابات بأنّ بإمكاننا تحقيق نتيجة جيدة». هم في طور الإعداد «لافتتاح مركز والاجتماعات قائمة بشكل دائم». حتى إنهم اجتمعوا مرتين مع موفد جعجع ومسؤول القوات في مدينة بشري طوني الشدياق، «هذا هو الرجل الذي يثق به جعجع وإيفاده له يعني أنه قرر التعاطي مباشرةً مع ملفّ بشري. لكن اللقاء لم يثمر أي شيء إيجابي».
يُخبر عضو بلدية سابق أن الثغرة في انتخابات 2016 كانت «في خفض السقف السياسي للائحة بشري موطن قلبي وسوء التنظيم من قبلهم واستغلال القوات لعامل تاريخ الزعامات المحلية التي دعمت اللائحة». عمل هؤلاء حالياً «ينحصر في النشاط الاجتماعي. هذه ناحية جديرة بالاهتمام بها»، من دون أن يعني ذلك أن «موطن قلبي» تقوم بدور بلدية الظل.
تبدو القوات اللبنانية مرتاحة «لوصول فريق متجانس» إلى البلدية، كما يقول مسؤول منطقة بشري جوزف إسحق، «فهي كانت المرة الأولى التي لا يكون فيها خيارنا مرتبطاً بالعائلات». القوات لا تشعر كثيراً بحركة «موطن قلبي» لكون «الحركة تخف من دون وجود استحقاق. ولكن هم موجودون ولديهم مكانتهم ولا أحد يُخفف من قيمة أحد». على العكس من البروباغندا القواتية، بأن أعضاء «موطن قلبي» ليسوا قوات، يقول إسحق إنه «في البلدية عدّة عوامل تلعب دورها وأهمها العوامل الشخصية. داخل كل الأحزاب هناك اعتراضات». يحصر الأمر في «البيت القواتي» الواحد، قائلاً: «سنعمل من أجل أن نكون سوا، لأن ما يجمعنا في السياسة أكبر بكثير». إسحاق نفسه لا يلبث أن يُسقط عن «موطن قلبي» صفتي «القوات» و«المجتمع المدني»، «لأن المجتمع السياسي الذي نتنافس وإياه في المنطقة هو في الأساس كان داعماً لهم، ولكن لأنه لا يملك الجرأة لمواجهتنا، يكون وراء أشخاص بالفعل كانوا يدورون في فلكنا على صعيد الحزب».
إضافةً إلى العمل الاجتماعي، تسري أخبارٌ في بشري مصدرها قواتيون مقربون من النائبة ستريدا جعجع تفيد بأنّ «كل تحركات موطن قلبي تصبّ في خانة ترشيح الإعلامي رياض طوق إلى النيابة وبناء حيثية خاصة به». القطيعة بين القوات وطوق، الذي كان ناشطاً مع الحزب، أسهمت في انتشار هذه الأخبار التي يُفضل طوق عدم التعليق عليها. أما بالنسبة إلى «بشري موطن قلبي»، فقد لا يكون الهدف تحويلها إلى مشروع سياسي، ولكن كلام الناشط القواتي السابق المحامي طوني الشدياق عشية الانتخابات وخلال نهار 29 أيار واعتباره أنّ «نتيجة الاستحقاق ظهرت عند إقفال صناديق الاقتراع وأنّ هذه المجموعة أسدلت الستار على زمن التعامل الفوقي والتزلم والاستزلام»، قد يكون مؤشراً على انطلاق حركة سياسية جديدة فلا يبقى التنافس في بشري محصوراً بين الزعامات تقليدية والقوات اللبنانية.