دخلنا في دوّامة التظاهرات والاضرابات التي يبدو أنّ «الحبل على الجرار» فيها، وهي تتناسل يومياً ليُضاف، يومياً، موظفو قطاع جديد الى اللائحة.
إنها «موضة» هذا الزمن اللبناني: إضرابات… إعتصامات… تظاهرات… إحتجاجات… شتائم… تطاول على الناس؟!.
أي قطاع لم يُضرب بعد؟ فعندما ينزل القضاة الى الشارع، وعندما ينزل العسكر الى الشارع، وعندما ينزل موظفو مصرف لبنان الى الشارع ماذا ننتظر بعد؟!.
نحن لا نناقش في الحق في الاضراب وفي التظاهر، وفي الإعتصام، فهذا حق يكفله القانون الدستوري والقانون الوضعي وترعاه الأنظمة… ولكن السؤال الذي يطرح ذاته وبإلحاح:
كيف يحصل أن تتوقف تلك التظاهرات في وقت واحد؟ وهل أنّ الازمات نشأت اليوم حتى قرّرت القطاعات كافة اللجوء الى السلبية؟
ثمّ، هل من أحد لا يعرف أنّ عندنا أزمة كهرباء، وأنّ نصف الدين العام سببه الكهرباء، وأنّ هذا القطاع يستمر في استنزاف مالية لبنان حتى إشعار آخر؟
وهل من أحد يجهل أنّ الحروب والاقتتال والنزاعات أدّت، كلها، الى عجز في الموازنة العامّة، وباتت الدولة غير قادرة على تحمّل الأعباء والتكاليف ما دفع بالحكومات المتعاقبة الى اللجوء الى الاستدانة والقروض على خلافها لمواجهة العجز عن تلبية النفقات والمتوجبات التي تزداد سنوياً في وقت تضمر الواردات أو تقف عند الحدّ الذي لا يفي بالمتطلبات والموجبات؟
نتفهم الناس وظروفهم، ونحن منهم، وندرك أنّ جامعاتنا تخرّج سنوياً 35 ألفاً تدفع بهم الى سوق العمل، حيث لا عمل، فمن اصلهم تكاد توجد وظائف لثلاثة آلاف خرّيج، ليتوجّه الـ32 ألفاً الباقون الى أبواب السفارات والقنصليات بحثاً عن وظائف في الخارج فيخسر الوطن ثروة هائلة كلّفت المليارات الكثيرة من الدولارات، لتصبح أخيراً في خدمة الآخرين وليخسر هذا الوطن عقولهم وكفاءاتهم ومهاراتهم!
وفي المقابل، هل يفوت الذين أضربوا وتظاهروا واعتصموا، من القطاع العام، انهم وُجدوا في وظائفهم، عموماً، بسبب تدخل هذا الزعيم أو ذاك المرجع، أو ذلك صاحب الموقع الكبير؟!. ولولا «الواسطة» لما كانوا «في الوظيفة»… فمن أين جاء الموظفون؟ هل جاءوا من الفضاء الخارجي، أو جيء بهم من زيمبابوي الى لبنان؟!.
كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يقول ما يقول مثله اليوم الرئيس سعد الحريري: نحن لسنا متفقين في السياسة لأنّ هناك قضية أساسية نختلف حولها، فلنتفق على ما يحقق نمو بلدنا وأماني شعبنا.
ولكنهم اغتالوا الرئيس الشهيد في واحدة من كبريات جرائم العصر، ولا يزالون يضعون العصي في دواليب الدولة التي لا يريدونها أصلاً…
وفي تقديرنا أنّ هذه الطفرة في التظاهرات والإعتصامات والاضرابات تصب بالضرورة في المشروع الذي لا يريد قيامة الدولة في لبنان… وبعض المنقادين الى الشارع، بوعي أو من دون وعي، إنما هم أيضاً في خدمة هذا المشروع.
ومن أظرف ما في التظاهرات تلك التي تدور تحت خط التوتر العالي وخطه الواطي، فيتوقف مشروع الكهرباء حتى يتم الاتفاق على أن يبقى خط التوتر العالي… عالياً! أو أن يصبح… تحت الارض!
والمؤسف أنّ كل واحد بات خبيراً في الفيزياء والكيمياء أيضاً… وبات بعض المفترض بهم أن يكونوا مثالاً في الآداب يتحدثّون بلغة الشارع والزقاق إعتراضاً على خط متوتر عالٍ!
في غمرة هذه التطوّرات جاء اللقاء الليلي الثلاثي في قصر بعبدا ليعطي جرعة إرتياح في البلد ينتظر أن تنعكس برودةً عامّة، وليس بعيداً أن تخفّف من وطأة الحراك في الشارع.
وعليه، فإننا نأمل أنْ نرى نتيجة سريعة لهذا اللقاء المهم، خصوصاً وأنّ لبنان مستهدف مباشرة بأهم ركيزتين فيه وهما السياحة وثبات الليرة… ومن يتابع بعض الخطابات والمواقف يكتشف كم أنّ هذين العمودين لا يزالان عرضة، مباشرة، للزعزعة وربما للتهديم.