«يا صديقي
مللتُ طولَ الطريقِ
ونأى الشطُّ عن ذراعِ الفريق»
محمود عيسى
توقفت مطولاً عند نتائج المسوحات البحرية التي تمّ أمس الإعلان عن نتائجها في المجلس الوطني للبحوث العلمية، هذه الهيئة الرصينة التي لا تزال تحوطها (عن استحقاق) هالة من الاحترام.
بيان النتائج قد «هيّج أشجاني» على حدّ ما قال رشيد أيوب في قصيدته الشهيرة، مخاطباً الثلج من مغتربه الأميركي في تلك الأبيات النوستالجية الرائعة ذات المطلع:
«يا ثلج قد هيجتَ أشجاني ذكرّتني أهلي بلبنانِِ
بالله قُلْ عني لجيراني: ما زال يرعى حُرمة العهدِ»
ولشّدة ما هزّتني المعلومات الدقيقة في بيان «البحوث» رحت أتساءل ما إذا كان قد بقي شيء من ذلك اللبنان الذي تؤكد الجماعات الهجينة، التي كتب علينا أن تسوس أمورنا في العقدين الأخيرين، أنها تمعن فيه خراباً، وتشويهاً لوجهه الجميل من مرمى الثلج الى فقش الموج!
التلوث يبلغ ذروته في المياه التي، من أسف يلجأ اليها الناس هروباً من لهيب الصيف. فثمانية مواقع ملوثة بمصبات المياه الآسنة وبعصارة ورواسب متسرّبة من مكبات النفايات الصلبة. وقد صُنّفت عالية التلوث وهي: الرملة البيضاء والمنارة وبرج حمود والضبية وسلعاتا والشاطئ العام في طرابلس إضافة الى موقع في سلعاتا وفيه نُسَبٌ عالية من المعادن الثقيلة «نظراً لقربه من المنطقة الصناعية».
وثمة أربعة مواقع «حذرة الى حرجة» وهي القريبة من مصادر «تلوث بكتيري»: «الرميلة وصيدا والصرفند والهري»!
رواد البحر يعرفون جيداً، أو باتوا يعرفون بعد صدور التقرير العلمي، إنهم يعرّضون أنفسهم لمخاطر وأمراض كارثية، خصوصاً أن المواقع الاثني عشر الوارد ذكرها أعلاه هي الأكثر مقصداً!
وماذا بعد؟
هل نكتفي بإصدار التقرير؟ المجلس الوطني للبحوث العلمية قام بما عليه فمتى يقوم المسؤولون بما يتوجب عليهم؟!
من أسف أننا، معشر اللبنانيين، منشغلون بهمومنا اليومية .. بلقمة العيش.. بأدنى متطلبات الحياة، بحيث لم نعد ندرك المدى الخطر جداً الذي وصلنا إليه بيئياً، والذي ربّـما كان أحد أبرز أسباب مضاعفة أرقام المصابين بداء السرطان في لبنان… والأرقام مخيفة!
أهذا هو لبنانكم يا قوم؟
أهذا هو بديلكم عن لبنان الذي كان؟ ذلك اللبنان الذي لم تتركوا فِريةً لم ترموه بها؟!
ذلك اللبنان…
الله الله يا دني!