لن يطول الوقت (هذه المرة) قبل أن يخرج «حزب الله» من اعتداده المألوف بخطابه الخاص والمميز، ويذهب الى الاصطفاف الى جانب الحيارى الكثر من أتباعه ومناصريه الذين ينامون على حال ويفيقون على نقيضه.
والتفريق بين خطاب هذا الحزب وهؤلاء المريدين الذين يضعهم في خانة الحلفاء، كان سابقاً أمراً صعباً وخارج الحساب، لكنه في هذه الأيام، صار مألوفاً إلفة الارتباك الآتي من مصادر اليقين ذاتها، أي من سوريا وإيران، ثم استطراداً.. من روسيا.
ومشكلة «حزب الله» مع هؤلاء، هي ذاتها مشكلته مع إيران: يصطدم بواقع متحرك في المصدر لكنه يحاول أن يبقى في مكانه، أسيراً لصورة تتبدل. وفكرة تتطور. وسياسة تتحول. وحسابات كبرى قد تجعل منه فائضاً متعباً بعد أن كان فرعاً منتجاً!
كثيرون، على المستوى المحلي، لاحظوا بحبور واضح، ان الآلة التعبوية في السياسة والاعلام، التي شغّلها «حزب الله» في كل حروبه ومعاركه ونزالاته بكل مندرجاتها، تقلصت في مناسبة الاجراءات السعودية، حتى كادت تنحصر بهيئاته التنظيمية وحدها.. أي بقيادته السياسية وبنوابه المباشرين وحدهم، من دون أن تعدّل بعض الأصوات التي لا يُعتد بوزنها، من تلك الحقيقة.
وهذا ليس تفصيلاً عابراً مهما جرى ادعاء العكس. إذ ليس هيّناً، أن «يصمت» ويبتعد عن الواجهة، كل أو معظم «الحلفاء التاريخيين» لـ «حزب الله» في «معركته» المفتوحة ضد السعودية خصوصاً والاجتماع السياسي العربي عموماً. بل وأن يذهب البعض من هؤلاء، الى المكان الآخر. وأن يحاول بعض آخر التملّص من أي شبهة عداء أو خطأ، ثم أن يبدي كل استعداد ممكن لتأكيد ذلك.. في وقت تتصاعد «حمى المواجهة» وتصل الى ذرى غير مسبوقة!
وذلك يدل على أمرين. الأول ان المخزون التاريخي للأداء السعودي في لبنان وإزاء لبنان واللبنانيين فيه وفي خارجه، لا يتضمن أية أسباب للعداء أو النفور أو الخصام. بل العكس تماماً، حتى إزاء الذين افتعلوا على مدى السنوات القليلة الماضية، الكثير من الضجيج المعادي والافترائي ضد المملكة تنفيذاً لأوامر أو توجيهات آتية من جهة بشار الأسد أو من جهة إيران ذاتها!
وذلك معطى حاسم ولا يمكن تشويهه أو التطاول على حقيقته في كل مرة، خصوصاً، في ضوء السياسة السعودية الجديدة المتميزة بالوضوح والحسم والحزم! والابتعاد عن الابهام!
الأمر الثاني، هو أن «حزب الله» «يكتشف» مرة ثانية، بعد «ملابسات» 7 أيار و11 أيار، ان الواقع اللبناني أكبر من أوهامه. وان لغة المصالح التي تحركه هو انطلاقاً من معطيات مذهبية وفئوية، هي ذاتها تحرك الآخرين، بمن فيهم، الذين اشتغل طويلاً على استخدامهم لاختراق بيئتهم ذاتها!
وحسابات هؤلاء معه منطقية أكثر من حساباته هو مع إيران! يتركون باباً مفتوحاً للعودة منه الى الوراء، فيما هو يتصرف وكأن الدنيا باتجاه واحد. وان إيران ستبقى على ما هي عليه الى الأبد! وسياساتها ستبقى جامدة عند اللحظة الاستنفارية والعدائية القائمة! تماماً مثلما تصرف ويتصرف إزاء «الحالة الأسدية» في سوريا، حيث تصوّر وتخيّل وبنى وحسب، انها دائمة ديمومة الدهر وغيرها آفل ومندثر!
وتلك عوارض خطيرة، ولا تليق بهواة، فكيف الحال مع حزب لا يقبل بأي شيء دون مستوى السماء! ولا يقرّ بأي خطأ أو خطيئة! ولا يعترف بتقصير أو سوء حساب، ولو لمرة واحدة!
لكن الخطورة في هذه الأيام، هي أن تلك العوارض صارت أمراضاً فتاكة أو تكاد: يكابر في الموضوع السوري برغم كل البلايا الضاربة من كل صوب. وبرغم تكسر يقينياته «الانتصارية» مرة تلو مرة! وظهور العامل الروسي باعتباره باحثاً عن مصالحه قبل أن أي شيء آخر. وباعتباره «صديقاً» موثوقاً لإسرائيل ولا يتخطى إرادتها الفعلية في سوريا! ويكابر في الموضوع العربي العام. وفي الموضوع السعودي خصوصاً، إلى حدود غير طبيعية ولا يمكن الركون الى حصافتها على الاطلاق برغم أن «معركته» خاسرة معها ومن اليمن الى البحرين الى سوريا. وبرغم أن إيران نفسها ستسلّم آجلاً أم عاجلاً، بحقائق المنطقة والتاريخ والجغرافيا والمصالح الكبرى، طالما أنها تخرج من مرحلة «الثورة» الى مرحلة «الدولة». وطالما أنها شرعت في إعادة وصل ما انقطع مع العالم، واستناداً الى شروط هذا العالم وليس الى شروط «الولي الفقيه»!