في كانون الثاني من العام الماضي دار الحديث عن لائحتيْـن بأسماء مقترحة لرئاسة الحكومة واحدة وضعها الرئيس سعد الحريري والثانية وضعها جبران باسيل، الأمر الذي دفعنا وقتها إلى الاعتراض حرصاً على الدّستور اللبناني. يومها كان الأكثر تطاولاً على الدستور والاعتداء على صلاحيات الرؤساء ـ وما يزال ـ الوزير السابق جبران باسيل، في الأساس لم ينقلب حال لبنان إلى جحيم إلا منذ بدأ الوزير جبران باسيل الترويج لنفسه كرئيس الجمهوريّة القادم، فاصطدم لبنان بكل أنواع الحوائط الزجاجيّة التي ذبحته من الوريد إلى الوريد.. وها هو جبران يطلّ برأسه من جديد، في كلّ عرسٍ حكومي له مية قرص يفجّر كلّ بادرة أو مبادرة أمل!!
لبنان الغارق في غيبوبته والذي لا يرى أبعد من أنفه القصير، بل لا يرى تحت قدميه ويتجاهل عن سابق تصوّر وتصميم كلّ السيناريوهات التي من الممكن أن تندلع في المنطقة، التي تتوزّعها الشّرور وإنذارات الحروب فيما الدولة اللبنانيّة عاجزة حتى عن طرح سؤال جديّ واحد عن مصير لبنان الاقتصادي بعدما وضعت المصارف سقفاً للسحوبات بالليرة اللبنانيّة وكلّ المواطنين الذين توجهوا إلى المصارف بالأمس تعرّضوا لهذه الأزمة الجديدة والمصارف صرحت لهم بقرار تحديد سقف السحوبات باستثناء المصرف المركزي الذي ظلّ ينفي بالأمس ما شكا منه المواطنون، وهو أمرٌ سيدخل البلاد في مرحلة احتقان جديدة قد تنتهي بانفجار شعبي يقلب الطاولة على الجميع! عمليّاً لبنان في عنق زجاجة يظلّ عالقاً فيه دائماً مهما اختلفت أسماء أزمته، نحن أمام فراغ حكومي مخيف ووسط نهر تماسيح مفترسة تمنع تشكيل حكومة جديدة وتحاصر الرئيس سعد الحريري معرقلة محاولته إيجاد حكومة تتمكن من الإمساك بزمام الأمور، ولا نظنّ أبداً أنّه سيكون من السّهل الوصول إلى حكومة مهما كان نوعها تكنوقراط ولا تكنوسياسيّة ولا حكومة أخصائيّين، أي حكومة من هذه الحكومات لن تتشكل بـ»بركة» عقد وعراقيل جبران باسيل، وإن تشكّلت فستفشل في إدارة البلاد، ما دام العهد يترك لصهره جبران الإمساك بزمام صلاحيات التشكيل أو التعطيل، وبكلّ الأحوال لبنان يغنّي على حافّة النّهر أنا الغريق فما خوفي من البللِ، لبنان في الهاوية ينتظر أن يطلع عليه الصبح عسى يراه عابر ما وينقذه منها!
«لا يملك اللبنانيّون ترف الجلوس في مسار الانهيار ليودي بهم إلى مهاويَ شتّى، نظرة من اللبنانيّين حول حجم الانهيار الذي ينتظر الجميع تجعل فؤاد المرء ينخلع من مكانه، يتسارع الانهيار حتى لنكاد نظنّه سيقع في طرفة عين، وهنا لا بُدّ من القول أنّ الحلول السلحفاتيّة العاديّة لن تغيّر حرفاً في مسار الانهيار، وهذه الطبقة السياسيّة تغضّ طرفها عن كلّ هذه الحقائق المخيفة من أجل مصالحها الشخصيّة، كلّ هؤلاء لا يبالون لو مات الشعب كلّه في سبيل بقائهم في مناصبهم، مكتفين بالحراك التقليدي الذي لا يقدّم ولا يؤخّر، هناك فريق في البلد لا يريد لا دولة ولا بلد إلا بما يتناسب وأجندته فقط!!
نحن نشاهد نهاية الكيان اللبناني في مئويّته الأولى بسبب إحدى الطوائف التي تختطفه، وما يحدث أخطر بكثير مما كنّا نتصوّر، الناس فقدت قدرتها على الاحتمال، ووسط هذا المشهد السوداويّ يظلّ السّبب الحقيقيّ الذي أوصل لبنان إلى هذا الحال المأساوي هو حزب الله وسلاحه وأجندته الإيرانية، وها هو اليوم يجلس فوق رأس الدولة متحكماً بالريموت كونترول بالوفد الذي يمثّل لبنان في اجتماعات التفاوض من إسرائيل لترسيم الحدود البحريّة، لقد التهمت «الثنائيّة الشيعيّة» كلّ «فتفوتة» من الدولة اللبنانيّة، نحن في زمن «ماتت الدولة عاشت الدويلة!»