IMLebanon

لأن الديموقراطية ممتنعة الحرب من حظ العرب

فازت تركيا في امتحانها الديموقراطي. أعادت حزب «العدالة والتنمية» إلى سدة الأولوية ليحكم منفرداً ووحيداً. توَّجت رجب طيب أردوغان «سلطاناً» على البلاد، بصناديق الاقتراع. ما جاء السلطة وارثاً ولا قَدم إليها على ظهر دبابة. للسلطان الجديد، طموح إقليمي وأداة «إخوانية» وأذرع أمنية. سيُحسب له حساب، بعدما كان مهدداً بحساب عسير من قبل شعبه.

هي ديموقراطية بصبغتها التركية. لا تتوفر فيها المعايير النموذجية المطبقة والمطاعة في دول العراقة الديموقراطية. تعوزها الشفافية، تنقصها الحرية، يشوبها الديني والمذهبي، توظف للترهيب والتخويف، وتسمح بألاعيب سياسية ممنوعة… ولكنها، في كل الأحوال، ديموقراطية.

العرب ليسوا على موعد مع الديموقراطية. تونس استثناء. كأنها ليست من هذه القارة البائسة، ويُخشى عليها من عنف إسلامي، يرابط في الداخل ويتسلل عبر الحدود.

من قبل، ومن حولنا كعرب، فازت إيران بامتحانها الديموقراطي. لم تجدد للمحافظين المحظيين. انتهت المعركة القاسية بفوز الإصلاحيين. تغيّرت إيران مع حسن روحاني. الخطاب الإيراني تبدّل. اعتدلت قولاً. ثابرت فعلاً، فأنجزت اتفاقاً نووياً وصارت عضواً في منتدى الكبار، يُحسب لها حساب على كل بيدر.

لا تتوفر في الديموقراطية الإيرانية، المعايير الخاصة بالديموقراطيات الغربية. السيادة هناك للشعب وهو مصدر السلطات بلا منازع. «ولاية الفقيه» سلطة عليا، برتبة دينية متصلة بالما وراء، هي فوق السلطة المنتخبة، ولكنها، في كل الأحوال، «ديموقراطية» خاصة بها، تؤمّن دورية الانتخاب وانتقال السلطة بطرق سلمية، تتنافس فيها التيارات السياسية بحيوية برلمانية. طبعاً، هي بحاجة إلى مواطن مدني، وحرية تتخطى الأطر الموضوعة، وخطوط حمر فاصلة ما بين السياسة والأمن.

البرلمانات العربية، اسم لغير مسمّى. هي برلمانات معيّنة عبر صناديق اقتراع لا تستقبل أسماء ممنوعة. وهي مثابرة على تسديد فواتير الولاء للحاكم المطلق، رئيساً أو ملكاً أو أميراً. الديموقراطية ليست من حظ العرب.

العدو الإسرائيلي أضاف إلى ترسانته العدوانية وإلى ثكناته العسكرية، سلاح الديموقراطية. تباهت في العالم بأنها «واحة الديموقراطية الوحيدة» في المشرق العربي. تغيّرت حكومات وزالت أحزاب ونشأت حركات وظهرت قيادات، عبر ممر إلزامي هو «الكنيست». قوة «إسرائيل» العسكرية، تنافسها القوة الديموقراطية المحروسة مدنياً وعسكرياً. ولولا هذه الديموقراطية، لذاقت طعم الخسائر والهزائم. لا توفر المحاسبة والمساءلة رئيساً، أو زعيماً، أو جنرالاً. بعض رؤسائها ذاق طعم السجن وتعرض للإهانة المشروعة. «ملوكها» و «أنبياؤها» السياسيون أُخضعوا للمساءلة وعوقبوا بصناديق الاقتراع أو بحرمانهم من الثقة.

الديموقراطية الإسرائيلية شاذة عن قواعد الديموقراطية كذلك. ديموقراطيتها حكر على يهودها، ونزر يسير منها، لمن تبقى من الفلسطينيين تحت سلطتها. المواطن في «إسرائيل» هو اليهودي، حتى ولو جاء من آخر الدنيا… عنصريتها ليست شبهة، بل صفاقة. احتلالها لفلسطين واستيطانها المستدام، يفرغان ديموقراطيتها من المرجعية الحقوقية والقيم الإنسانية. هي في وضع الهارب دوماً من المساءلة الدولية والمحاكم الدولية… هذه ديموقراطيتهم، وهي لعنة علينا، وقوة ضدنا.

أليست هزائم العرب أمام «إسرائيل»، بسبب فقدان الديموقراطية العربية؟ أبطال الحكم في دنيا العرب، نالوا الجدارة مراراً، في ارتكاب الهزائم أمام «إسرائيل» وفي ارتكاب الاستبداد ضد شعوبهم… ستتأخر الديموقراطية العربية كثيراً.

مصر، فاز فيها شعبها بديموقراطية الممارسة. قاطع الانتخابات بنسبة عالية. قيل: «كانت انتخابات بلا منتخبين وصناديق اقتراع بلا أوراق». مارس الشعب المصري حقه في المقاطعة. رفض أن يكون قطيعاً. عظيم هذا الشعب وعظيم صبره… نزع عن السلطة شرعيتها الشعبية. لم يمنح العسكر البراءة الديموقراطية. سلطة العسكر، الباحثة عن ستر شعبي، ظلت سلطة بدعامة الأمن.

شيء من روح «25 يناير» طاف بين الناس. أوصى إليها برد الحد الأدنى والعاقل. نأى عن العنف. صمته كان مدوّياً. هذا الفعل الديموقراطي كان للتعبير عن الرفض، والامتناع عن المشاركة، بانتظار التخلص من اثنين: حكم ديني، يحكم «بأوامر إلهية» معصومة، وحكم عسكري مدرب على خطاب الأمر، مهما كلف الأمر.

الفشل الديموقراطي مزمن. من مطالع القرن العشرين كانت الديموقراطية ممنوعة. أوصدت أمامها الطرق. تناوبت على السلطة عائلات مالكة وأمراء وسلاطين. طُعّمت بديكتاتوريات عسكرية وسلطات استئثارية. الانقلابات هي الطريق إلى السلطة، لا صناديق الاقتراع. سرقوا السلطة عنوة وسرقوا من الديموقراطية أشكالها: مجالس شعب، أو مجالس أمة، برلمانات عبر انتخابات مفصلة وفق قياسات الحاكم، يؤم صناديقها شعب يفضل الفوز بالسلامة، ولو بخسائر سياسية، مفضلاً الرغيف والأمن والسكوت، على الكرامة والمساءلة والمشاركة… قرن عربي من العقائد الطوباوية الجميلة، بأدوات القبضة الأمنية.

ماذا عن العقود المقبلة؟

لا يمكن تصور أي شكل من أشكال الديموقراطية بعد إطفاء الحرائق في سوريا وليبيا واليمن والعراق و…

الحروب ستنتهي ذات عقد… فأي بلاد تبقى؟ أي دول ستعيش؟ أي شعب سيكون؟ أي نظام سينشأ؟

ببالغ الأسف. كلمات، كلمات، كلمات.

أو، أسئلة، أسئلة، أسئلة. ولا شيء غير ذلك.