IMLebanon

لأنَّهُ.. «حزب الله»

شْئتَ أوْ لم تشَأ، تحبُّهُ أو تبغضُه، تؤيده أو تعارضه، تمنحه الولاء أو تناصبه العداء، فهو في ما يخطّط ويقرّر لا يطلب إذناً ولا يسأل خاطراً…

وأنا.. وإن كنت معجباً به، أؤيده في أمور وأعارضه في أمور، ومثلما أمدحه إنِ استحقَّ، أنتقده إنِ استحقَّ، فهو «حزب الله» وليس هو الله.

شئتَ، أو لم تشأْ، فإن «حزب الله» فرض نفسه كياناً سياسياً له قواعده الفقهية الخاصة، ولهُ جيشه الخاص واستراتيجيته العقائدية الخاصة، ولأن الدولة عندنا لم تبلغ بعد سن الرشد، كان لا بدّ لحزب الله من أن يكون هو الوصيّ على الدولة.

في الشأن السياسي والسلطوي والقانوني والبرلماني والحكومي، وفي كلِّ ما هو إجرائي، له الكلمة الفصل وبيده الربط والحلّ.

لو لم يوافق هو على انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، لاستمرَّت الجمهورية الى ما شاء ربك، جسداً مشوَّهاً بلا رأس.

ولو لم يدعم هو تأليف الحكومة لما كانت هناك حكومة ولا من يحكمون… هذا إذا كان هناك من يحكمون..

ولو لم يقتنع بقانون الإنتخابات مع ما يشوبه من عاهات وعورات، لما كان هناك قانون إنتخابي، هذا إذا سلَّمنا أنه سيكون هناك انتخابات وقانون.

هكذا، ودونما مكابرة أو مسايرة، فإنّ كلَّ ما يباركه حزب الله يصبح بنعمته مباركاً فباركوه… وكل ما يعارضه حزب الله يصبح رِجْساً من عمل الشيطان فحاذروه.

إذا كان حزب الله كياناً قائماً بذاته، له امتداداته الإقليمية وقراراته الاستراتيجية، في معزل عن أي وصاية أو استئذان، فمن الطبيعي أن تكون مفاتيح الحدود في قبضته: بيننا وبين العدو الإسرائيلي، وليس بيننا وبين الشقيقة سوريا حدودٌ، فنحن شعب واحد في دولتين، وغالباً ما تتحول الدولتان الى دولة واحدة.

من يصدّ اختراق الحدود الجنوبية حيث المواجهة الضارية مع إسرائيل، ليس غريباً إنْ اخترق الحدود الشرقية ليقاتل في سوريا مع الحرس الثوري، ويقاتل في العراق مع الحشد الشعبي، ويقاتل في اليمن مع الحوثيين، ويخوض حروباً باردة مع السعودية وبعض دول الخليج مع الإحتفاظ بالشعار المأثور: «شكراً قطر».

وليس غريباً أن تعمل مفاتيح حزب الله على الحدود اللبنانية السورية باتجاهها المعاكس، عبر إعلان النفير العام للدول الإسلامية السبع: سوريا، اليمن، العراق، إيران، فلسطين، باكستان، أفغانستان، لمقاتلة العدو الإسرائيلي.

إلّا أن المفارقة هي أن هذه الجيوش المقاتلة ترتدي ثوباً مذهبياً مرقطاً، قد يثير ردود فعل مرَّقطة مضادة، فيما تذكِّرنا الدول الإسلامية السبع بالدول الأجنبية السبع، التي تألفت في أعقاب الفتنة العنيفة التي اندلعت بين الطائفتين الدرزية والمارونية، سنة 1841 والتي أدت الى تقسيم جبل لبنان الى قائمقاميتين: مارونية ودرزية، والى نظام المتصرفية من بعد، والتي ما زلنا نتوارث الفوضى والرشوة والفساد عن أحد أقطابها المتصرف واصا باشا:

«رنّوا الفلوسَ على بلاط ضريحه…»

وأنا.. ما دمت معجباً بذكاء حزب الله أرى أنّ النفير الذي أطلقه سيّد الحزب الى الدول الإسلامية السبع هو شبيهٌ بالنفير العام الذي أشار به الإمام علي بن أبي طالب على الخليفة عمر لإنقاذ عاصمة الإسلام من الغزو.

ويعلم السيّد جيداً ان الحروب لم تعد حروباً كلاسيكية تعتمد على جيوش الجنود بقدر اعتمادها على جيوش الصواريخ الى «ما بعد بعد حيفا»، ولم تعد حرباً بدائية من فارس الى فارس على عهد السيف والمنجنيق.

وأعرف أنّ السيد بفعل حرصه على لبنان نأى بالنفس قتالاً على ساحته في وجه التكفيريين فلن يحولها إذاً ساحة مفتوحة أمام سفك الدم، وهو الذي يحرّم على نفسه الدم البريء حتى في إبنة العنقود خلافاً لما يقول المتنبي:

كلُّ شيءٍ من الدماءِ حرامٌ شربُهُ، ما خلا إبنةَ العُنقودِ