IMLebanon

لأنّ لسلاحه دوراً لم ينتهِ بعد… “حزب الله” غير جاهز للبحث في “الاستراتيجيّة”

يمكن القول إن “حزب الله” قد يكون الحزب الوحيد المرتاح إلى وضعه ما دام يحتفظ بسلاحه وقد جعله خارج البحث في كل الحوارات، إذ أنه يستطيع بقوة سلاحه تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية اذا لم يكن الرئيس مقبولا منه ليصبح تحت إمرته، وأن يتحكم بقرارات كل رئيس إذا لم يكن مقبولا منه، وأن يعطل اجراء الانتخابات النيابية إذا لم يكن القانون الذي تجرى على أساسه يضمن الفوز بأكثرية المقاعد النيابية له ولحلفائه، وإلا فلا انتخابات، وإن هي أجريت فلن يعترف الحزب بنتائجها، وهو ما حصل في انتخابات 2005 و2009 إذ اعتبر الأكثرية التي فازت بها قوى 14 آذار أكثرية نيابية وليست أكثرية شعبية. ويستطيع الحزب بقوة سلاحه الذي يحتفظ به تعطيل تشكيل اي حكومة إذا لم يكن ممثلا فيها مع حلفائه تمثيلا صحيحا وله الحقائب التي يريد، وان يجعل الحكومة حكومة “وحدة وطنية” ليكون له فيها مع حلفائه الثلث المعطل بحيث لا يصدر اي قرار إلا بموافقة هذا الثلث، وان يضمّن بيانها الوزاري السياسة التي يريد وإلا خالف هذه السياسة وإن كانت قد نالت الثقة على أساسها، وهو ما حصل مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مع انها عُرفت بحكومة “حزب الله” عندما قرر الحزب التدخل عسكرياً في سوريا مخالفاً بذلك سياسة النأي بالنفس المترجمة لـ”إعلان بعبدا”.

لذلك فإن الحزب لا يمانع في اي حوار يتناول كل المواضيع باستثناء موضوع سلاحه، وأن يبحث في الانتخابات الرئاسية شرط ان يكون الرئيس مقبولا منه ومن حلفائه، والا استمر الشغور ويكون المسؤول عن ذلك هم الذين يرفضون انتخاب هذا الرئيس المفروض وكأن لبنان يعيش في ظل نظام شمولي وليس في ظل نظام ديموقراطي يفوز فيه المرشح الذي ينال اكثرية اصوات النواب المطلوبة بالاقتراع السري.

من هنا فإن استمرار الشغور الرئاسي لا يزعج “حزب الله” وحلفاءه إنما يزعج المطالبين بقيام دولة قوية لا سلاح فيها غير سلاحها، ولا يزعجه ايضا تعطيل عمل الحكومة ظنا انه يقدم انتخاب رئيس للجمهورية على أي أمر آخر. لكن هذا التعطيل لا يشكل عامل ضغط على الحزب ولا على حلفائه، بل يجعل مسبّبي هذا التعطيل يحققون أهداف من يريدون ذلك. اذ ليس بالضغط على الفراغ بالفراغ يتحقق للآخرين ما يريدون. ولا يهم الحزب ايضا وأيضا تعطيل عمل مجلس النواب والاكتفاء بتشريع الضرورة لجعله يسرع في انتخاب رئيس للجمهورية لئلا يقع الفراغ الشامل، وهو فراغ لا يخيف الحزب وحلفاءه، بل يخيف الذين يخشون ان يؤدي ذلك الى عقد مؤتمر تأسيسي يعيد النظر في اتفاق الطائف سبيلاً للخروج من تداعيات هذا الفراغ.

لذلك فإن “حزب الله” لن يفقد شيئاً من دوره وتأثيره في القرارات ما دام يحتفظ بسلاحه، تارة بذريعة مواجهة الخطر الاسرائيلي وطوراً بذريعة التصدي للمشروع الاميركي – الصهيوني في المنطقة… وهذا ما جعل الحزب يوافق على البحث في كل المواضيع باستثناء سلاحه وتدخله في الحرب السورية وفي غير سوريا إذا لزم الأمر. وهذا يطرح مصير دعوة الرئيس سعد الحريري الى البحث في “استراتيجية وطنية” تضع سلاح الحزب في كنف الدولة لتصبح قوية في التصدي للتنظيمات الارهابية ومنع اختراق حدود لبنان. وقد يكون الحزب غير جاهز في الوقت الحاضر للبحث في هذه الاستراتيجيّة والاتفاق عليها ما لم يزل الخطر الاسرائيلي وخطر التنظيمات الارهابية.

وهكذا يظل لبنان يعاني مشكلة بقاء السلاح خارج الدولة مع استمرار الشغور الرئاسي. وحتى وإن انتهى هذا الشغور فلا شيء سيتغير في الوضع الشاذ الذي بدأ منذ عام 2005 الى اليوم بفعل استمرار وجود هذا السلاح الذي لا حل له لبنانياً إنما اقليمياً، ولا أحد يعرف متى يكون هذا الحل، ما جعل الرئيس سعد الحريري يكرر القول في كل مناسبة: “لأ مش ماشي الحال مع السلاح”… لأن الكلمة تبقى له في المحطات المهمة وليس للدولة، أياً يكن رئيسها وأياً تكن الحكومة فيها.

لكن المتفائلين بمستقبل لبنان يأملون في أن يعود “حزب الله” وما يمثل ومن يمثل الى رفع شعار “لبنان اولا” بعد انتهاء تجربة ولائه لإيران، كما رفع السنّة هذا الشعار بعد تجربة ولائهم لغير لبنان، وبعدما اضطر المسيحيون أيضاً، خوفاً على وجودهم وعلى كيان لبنان، إلى اللجوء الى دول الغرب وحتى الى العدو الاسرائيلي في حربهم عام 1975، وهو ما حذّر منه الرئيس حافظ الأسد المسلمين عندما وقفوا مع المسلحين الفلسطينيين في لبنان ضد شريكهم المسيحي. فهل تكون نتائج تلك الحرب العبثية المدمّرة درساً لكل اللبنانيّين فيجتمعوا تحت سقف واحد هو سقف لبنان، ويتضامنوا لمنع سقوطه؟ وهذا لا يتحقق الا اذا قامت الدولة القوية القادرة والعادلة، التي لا دولة سواها ولا سلاح غير سلاحها، الدولة التي لا تنحاز الى اي محور لأن هذا الانحياز يضرب الوحدة الوطنية ويهدد السلم الاهلي.