IMLebanon

لأن الانتخابات تزيد انقسام المسيحيين التمديد هو لمصلحتهم أكثر منه للمسلمين

يخطئ النواب المسيحيون، وتحديداً الموارنة، برفضهم التمديد لمجلس النواب مع علمهم بأن الظروف الأمنية لا تسمح باجراء انتخابات نيابية في موعدها، وان البديل من التمديد هو الفراغ. فهل يفضلون الأسوأ على السيئ؟ ويخطئون ايضاً اذا كانوا يظنون أن بموقفهم هذا يحققون كسباً شعبياً، لأن الشعب لا يهمه سوى الأمن والاستقرار وتأمين لقمة عيشه بكرامة، ولا يعنيه التمديد بقدر ما يعنيه الخوف من إدخال البلاد في فراغ شامل، وهو ما بدا ان ايران تخطط له منذ ان صار لها نفوذ في لبنان حلت به محل النفوذ السوري. والفارق بين النفوذين هو أن سوريا كانت تسمي رئيس الجمهورية لأن الاكثرية النيابية كانت اكثريتها ولا دور لها سوى انتخابه… ومنح الثقة ككل حكومة تشكلها الدولة السورية الوصية على لبنان، أما ايران فلم تستطع الفوز بأكثرية نيابية موالية لها لا في انتخابات 2005 ولا في انتخابات 2009 كي تفعل ما كانت تفعله سوريا، فقررت إحداث فراغ شامل في لبنان على مراحل. المرحلة الأولى بدأت عند تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، وقد قبلت تسهيلا لتشكيلها بتقديم تنازلات تحسبا منها لاحتمال حصول شغور رئاسي بحيث تتولى هذه الحكومة صلاحيات الرئاسة الأولى الى ما شاءت ايران لأنها هي التي تقرر مصير الانتخباات الرئاسية، وهي التي تقرر مصير الحكومة بمجرد الايعاز لوزراء تمون عليهم بالاستقالة، وان لا انتخابات رئاسية ما لم يكن الرئيس مقبولاً منها. واذا كانت ايران لا تمتلك الاكثرية النيابية المطلوبة لتأمين فوز الرئيس الذي تريد، فانها تمتلك الاقلية القادرة على تعطيل نصاب كل جلسة خصوصا بعدما صار التوافق على ان اكتمال النصاب لانتخاب الرئيس يحتاج الى ثلثي عدد النواب، ولو أن التوافق تم على جواز انتخابه بأكثرية النصف زائداً واحداً بعدما تكرر تعطيل نصاب الثلثين، لكان لايران موقف آخر شبيه بموقف سابق لها ولسوريا وهو عدم الاعتراف بأي رئيس للجمهورية ينتخب بأكثرية النصف زائداً واحداً.

وهكذا يمكن القول إن ايران حققت حتى الآن نجاحاً في تشكيل حكومة سمتها “حكومة تسوية” تقرر هي مصيرها ساعة تشاء، وعطلت انتخاب رئيس للجمهورية الى ان يسلم الطرف الآخر، وتحديدا 14 آذار، بانتخاب الرئيس الذي ترضى به ايران خشية استمرار الشغور الرئاسي الى اجل غير مسمى، ما يلحق ضررا معنويا بالوجود المسيحي في لبنان ويخل بالتوازن بين السلطات وبروح الميثاق الوطني، خصوصا انه سبق لـ 14 آذار ان قدمت غير مرة تنازلات لقوى 8 آذار معتبرة نفسها انها وحدها “أم الصبي”، وان 8 آذار لا يهمها ما قد يحل به، حرصا من 14 آذار على الوحدة الداخلية والسلم الاهلي.

ونجحت ايران في جعل العماد ميشال عون يرفض التمديد لمجلس النواب بحجة انه يريد انتخابات ينبثق منها مجلس نواب جديد قد تكون فيه اكثرية لـ 8 آذار بحيث تجعلها تحكم كل السلطات، واذذاك تكتمل سيطرة ايران السياسية والأمنية في لبنان. ولبلوغ هذه الغاية جعلت الاحزاب المسيحية في قوى 14 آذار تدخل في مزايدة مع العماد عون على رفض التمديد بجعله غير ميثاقي كونه لا يحظى بغطاء مسيحي، فيكون الموقف المسيحي، عن إدراك أو عن غير إدراك، قد جعل الفراغ الاسوأ هو البديل من تمديد سيئ.

لذلك مطلوب من الاحزاب المسيحية في 14 آذار عدم مجاراة نواب “تكتل التغيير والاصلاح” في موقفهم الرافض للتمديد طمعا منها بكسب شعبي يسبقها “التكتل” اليه لأن الشعب لا يعنيه مصير مجلس النواب بقدر ما يعنيه الخوف من حصول فراغ شامل في البلاد يفتح أبواب الفوضى على مصاريعها، وهي فوضى قد تشعل فتنة داخلية كالتي تشتعل في العراق وسوريا وليبيا وربما في اليمن. فرجل الدولة لا ينقاد للشارع انما يجعل الشارع ينقاد له لأنه هو الادرى بمصلحة البلاد، ومصلحة البلاد هي في ان يتم انتخاب رئيس للجمهورية، وان من يعطلون انتخابه هم المسؤولون عن فرض التمديد كأمر واقع وإن يكن شراً لأن الفراغ شر أكبر.

الواقع ان رفض الاحزاب المسيحية للتمديد يظهر وكأن هذا التمديد هو لمصلحة المسلمين، في حين ان الواقع هو خلاف ذلك، فالانتخابات النيابية اذا اجريت في الظروف الراهنة فسوف تجعل المعركة قاسية وحادة بين الاحزاب المسيحية بينما لا تكون كذلك بين الاحزاب الاسلامية. وقد اظهرت الترشيحات التي صار تقديمها ان عدداً من المرشحين عن حركة “امل” وعن “حزب الله” يفوزون بالتزكية لعدم وجود مرشحين منافسين. أما الاحزاب المسيحية فقد كثر عدد مرشحيها حتى على المقعد الواحد، ولا سيما الاحزاب في 14 آذار، ما ينبئ باحتمال حصول معركة “كسر عضم” داخل البيت الواحد. فعلى هذه الاحزاب إذاً ألا تدخل في مزايدات مع “التيار الوطني الحر” في رفض التمديد لأن البديل منه هو الفراغ القاتل للبنان ربما وجوداً وكياناً، ولا شيء يهم الشعب ويدفع عن لبنان الاخطار سوى الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، لأن انتخابه هو وحده الذي يسد كل فراغ.