IMLebanon

الاعرابي والجمل

فقد اعرابي جمله، فأعلن استعداده لأن يقدم لمن يعيده له جملين.

أحدهم عثر على الجمل المفقود وأعاده الى صاحبه الذي وفّى بوعده، وقدّم له جملين في المقابل.

الرجل قال مستغرباً: أراك أحمق، لقد أعطيت جملين مقابل جمل واحد!

فأجابه صاحب الجمل: بل انت الأحمق لأنك لا تدري قيمة الغائب اذا عاد…

هذه الحكاية برسم خلية الأزمة الوزارية المنوط بها متابعة قضية العسكريين المخطوفين من جانب داعش والنصرة، بل برسم كل من تبرّم أو تضجّر من قطع أهالي هؤلاء، هذا الطريق أو ذاك، انعاشاً لذاكرة الدولة حيال مصير أولادها، وايقاظاً لضمائر اعتادت النوم باكراً…

يسخر من الجراح من لا يعرف الألم. هذه القاعدة الاجتماعية، يدركها أهالي المخطوفين ويدركون معها ان من تحترق عباءته، هو من تحرقه النار، ولذلك اندفعوا رافعين الصوت متحدّين مناخ كوانين وصقيع ثلوجها، ونصبوا خيمهم حيث لا يستطيع عابر الا ان يرى حال بؤسهم، ويسمع أنين ألمهم، وصريف أسنانهم في لحظة تلقي أخبار النعي المسبق للابن أو الأخ أو الأب من هواتف بلا أرقام…

ومع الكشف عن اعتقال الجيش لسجى الديلمي والاعلان عن عودة الوسيط القطري تنفس اهالي العسكريين الصعداء مرة أخرى، وقد تلقوا الأخبار بنسبة أقل من القلق، بعد انحسار التهويل باعدام هذا العسكري أو ذاك، وعقب حديث اللواء عباس ابراهيم عن المزيد من أوراق القوة بيد المفاوض اللبناني، لكن أمام تفلت الخاطفين من أي رابط انساني أو وجداني، كان على مَن اعتاد العيش في ظل الخوف، أن لا يطمئن الى وعد، ولا يرتاح الى عهد، وأن يواصل الملاحقة والمتابعة طارقاً كل الأبواب والنوافذ، ومناشداً كل ذي كلمة نافذة، أو باع طويل، تقديم العون والمدد، بالمفاوضة التي شرعت أبوابها، والمقايضة التي لا بد منها ولا مفر.

لكن برغم الأوراق المتوفرة بيد المفاوض اللبناني، لا زالت الشكوك تراود الأهالي، المعرضين للارهاب الهاتفي من جهة، ولضيق صدر بعض الأطراف الرسمية من جهة أخرى، بعض هذا البعض يكاد يكون لا يدرك قيمة الغائب عن أهله اذا عاد، فيتبرّم من حرق دولاب أو إقفال طريق. والبعض الآخر لا يعنيه من مصير العسكريين المخطوفين، سوى الاستثمار السياسي. ويقع في هذه الخانة بعض النواب والتيارات ممن يطرحون ضرورة التعاون والتنسيق مع جيش النظام السوري لاسترداد المخطوفين، وقد استجابت الحكومة الى الحاجة للتنسيق على المستوى الأمني. الذي قد يفرض نفسه، واذا بالراغبين في توظيف موضوع المخطوفين في حقل المصالح السياسية، ينادون بالتنسيق السياسي على مستوى الحكومتين كما طالب أمس أحد نواب البقاع، مع الايحاء بأنه من دون العودة للتنسيق، لن تجري مقايضة تضمن عودة العسكريين اللبنانيين الى أهلهم، علماً ان جزءاً من ورطة لبنان ناجم عن تنسيق ما، بمعزل عن الدولة، في اطار جبه المعارضة السورية، ويتناسى هؤلاء ان التنسيق مع النظام يفرض بالمقابل التنسيق مع خصومه، وفي هذه الحالة يذهب نائياً بالنفس مع رياح الأزمات الاقليمية…

أهل العسكريين دائماً على حق حتى يتحرر أبناؤهم بأي شكل، أو صورة، بل بأي ثمن، لأن دولة لا تستطيع تحرير أبنائها، لن تستطيع حماية مواطنيها، والحاضر لا ينشكر…

لكن بالمقابل يتعيّن على هؤلاء الأهل التوقف عن الإلحاح على معرفة كل شاردة وواردة في موضوع المفاوضات، أقله لأن كل سرّ جاوز الاثنين شاع، فكيف اذا كان المطلوب شرح التطورات على الهواء؟..