Site icon IMLebanon

“تواضعوا” وتمهّلوا!!

قد يكون افضل ما فعله أنطوني بلينكن نائب وزير الخارجية الاميركي انه خف رجله الى لبنان في اول زيارة لمسؤول أميركي بارز للمنطقة بعد التوصل الى الاتفاق – الإطار حول النووي الايراني ليس لرفع معنويات اللبنانيين من الحضيض فحسب، بل لتدارك اخطار التضخيم السياسي حول هذا التطور. لا نقول ان بلينكن نجح في “طمأنة” متوجس من هنا أو في “عقلنة” منتش بالسكرة من هناك، لأن حملة علاقات عامة أميركية فورية لن تكفي لاحتواء عاصفة هذا التطور الاستراتيجي. لكننا نذهب الى الأبسط، أي الى البعد الداخلي في نصيحة بلينكن بل “الزجر” في نبرته حيال أزمة الفراغ الرئاسي كأنه يقولها بالفم الملآن ان أميركا “لا تقرأ” الآن الا في كتاب مصالحها واولوياتها الكبرى الاشد جسامة من ان تتفرغ لأزمة لبنان فتواضعوا وعودوا الى رشدكم.

طبائع القوى الداخلية عندنا شكلت تاريخياً احد الأمراض العضوية لجهة سوء فهم السياسات الخارجية من جهة وثقل الارتباطات والتبعيات للخارج من جهة اخرى. ولكن المفارقة الساخرة تمثلت هذه المرة في ان الاتفاق النووي الذي أشعل النار في أثواب دول وستظل تداعياته متدحرجة الى سنين مقبلة حشر الساسة والقوى والأفرقاء اللبنانيين في خانة الضياع وإطلاق الأحكام “على الطاير”. يستوي في ذلك المهلل والمتعجل للظهور مظهر المنتصر مع المتوجس والمتسرع في اطلاق الأحكام التي تحجم الاتفاق. نادرا ما يتسم سلوك القوى الداخلية بالتواضع والتريث في التعامل مع تحولات كبيرة كهذه، خصوصا متى كانت من طبيعة معقدة ومركبة وتستلزم الكثير من الوقت لتبيان تداعياتها. لا تلام القوى اللبنانية طبعا على إيلاء هذا الاتفاق الاولوية التي يستحق، خصوصا متى كان ارتباط فريق اساسي بإيران عضويا الى حد يستحيل معه عدم توقع تداعيات بعيدة المدى للاتفاق على الواقع اللبناني. ومع ذلك فان طبيعة التطور الذي لا يزال قيد الاستكمال لا تشبه أي تجربة سابقة حتى ان الدول المتوجسة منه تسير على رؤوس الاصابع لئلا تسقط في سوء الحسابات. ولا نرى أي فارق هنا بين نظام بشار الأسد الذي توهّم ان الحرب الدولية على داعش ستعود عليه بتعويم اعتراف العالم به بفعل العجز عن اسقاطه وربما الحاجة الى توظيف ما تبقى منه لغايات لن يفيد هو منها بأي شيء، وبين بعض المتوهمين اللبنانيين بان صفقة نووية عجلت في “تأهيل” واقع لبنان لحسم سياسي وربما غير سياسي لمصلحة فريق بعينه. ولعلنا سنرى تباعا ما يدهش، خصوصا عندما تتحول تصريحات الرئيس اوباما عنوان ترحيب انقلابي متدحرج لدى “أعداء الامس” من دون أي حكمة في التروي أيضاً اقله حتى حزيران!