سُريالية المشهد اللبناني بلغت مداها، خنافس سوداء اجتاحت البقاع اللبناني بأعداد هائلة قلبت منافس اللبنانيّين بمنظرها وهي تعبّىء صناديق كرتونية وزيادة في هذا الواقع السريالي هناك من يقول بأنّها في طريقها إلى بيروت فيما آخرون يعتبرون أنّ أقصى ارتفاع ستشاهد فيه هو 300، وفوق الدّكة هزّات بقاعية أيضاً شعر الشمال بتردداتها، في بلدٍ «مهزوز خلقة» فكيف الحال بالهزات الأرضية وتوابعها؟!
هل سيكون اليوم فعلاً إستثنائياً بتقطيع الطرقات وتحرّكات متقاعدي الجيش اللبناني وعائلاتهم إبتداءً من الساعة الخامسة من فجر اليوم الثلاثاء، من دون أدنى شكّ لن تكون الأيام المقبلة على لبنان أفضل حالاً من اجتياح الخنافس السوداء للمشهد العام، ومن المؤسف أننا أمام حكومة لا تتعاطى بجديّة أبداً مع الوضع اللبناني العام، ولا أحد يُكلّف خاطره بالتحدّث إلى الشعب اللبناني ـ وطبعاً من دون كذب ولَوْفكة ـ ومصارحته بالواقع المؤلم وهو أكبر بكثير من قدرات هذه الحكومة الهزيلة والتي نعيب عليها منذ مرحلة تشكيلها أننا سنكون أمام حكومة لا تصوّر ولا خطّة عمل ولا خارطة طريق أيضاً للخروج من هذه الأزمة الكبرى!
لم تفاجئنا بالأمس صراحة وشفافية الدكتور سمير جعجع وهو يصف «مشروع الموازنة» الذي أعدّته الحكومة بأنّه «لا يمكن ان يشكل الدواء الشافي للأزمة المطلوب مقاربتها بعمق وواقعية، فلا تصوّراً عاماً للحلّ ولا خريطة طريق للخروج من المشكلة»، هذه حكومة «الترقيع» و»الهروب إلى الأمام»، وجلّ ما تريده «موازنة» ذرّ الرماد في عيون «دول سيدر»، في أغبى حال «استغباء» تعيشها حكومة تظنّ فيها أنّها تتذاكى على دول «ذكيّة جدّاً»، ولكن ماذا نفعل في بلاد تعتمد «سياسة مقرفة» اصطلح على تعريفها بـ»شغل بزّق ولزّق»، بكلّ أسف!
1 Banner El Shark 728×90
في الأساس لم نكن ننتظر من حكومة «هيا إلى العمل» أكثر من ذلك، وإذا كان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قد أبدى بالأمس في حديث لـ»المركزية» بالغ أسفه كون مشروع الموازنة جاء «مخيبا للآمال ولا يرتقي الى مستوى المعالجة الواجبة في مواجهة أزمة اقتصادية مالية خطيرة كتلك التي تعصف بالبلاد راهناً»، وعلى عكس مسحة التفاؤل الكبيرة الذي نجدها في كلام «الحكيم» والتي ترك فيها مجالاً لما يمكن أن ينشأ عن «النقاش في هذا الشأن خلال الجلسات المخصصة للمشروع»، فإننا نذهب إلى أنّ الأمور أسوأ بكثير ولن تبدّل النقاشات حول الموازنة حرفاً من واقعها، هذه موازنة «التهرّب من تحمّل المسؤوليّة» والاستخفاف بمصير لبنان والاستهتار بدول سيدر والاعتقاد بأنّه يمكن خداعها بعنوان خطّة الكهرباء، إلى هذا الحدّ يجري تسخيف الواقع الإقتصادي اللبناني، الدولة التي ستنهار غير معنيّة بانهيارها، والحكومة التي تتهرب عبر مشروع الموازنة من مسؤولياتها غير مدركة أي مصير ينتظرها إن استمرّت في تعاطيها بهذه الخفّة مع الواقع الإقتصادي المخيف!
الحال اللبناني مؤلم، وقد يتحوّل في ساعات إلى مشهد دراماتيكي كمشهد الخنافس السوداء وهي تنفّذ انتشاراً غير سبوق في المشهد البيئي وتجتاح قرى البقاع، صحيح أن الشارع ليس هو الحلّ للأزمة الكبرى التي يعيشها لبنان، لكن، وغالباً في الأزمات التي من هذا النوع يرسم الشارع قدر الحكومات العاجزة مهما ادّعت أنها تسعى للعمل والإنقاذ، أشعر أننا عشيّة أيار العام 1992 و»ثورة الدواليب» التي قطعت كل الطرقات وغطّى الدخان الأسود يومها سماء كلّ لبنان، كان الله في عون لبنان.