اكتب هذه المقالة قبل بدء احتفال البيال، وقبل ان يلقي رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري كلمته بمناسبة مرور 11 سنة على اغتيال والده الشهيد رفيق الحريري، ومضمون المقالة يعكس رغبة عند عدد من قيادات تيار المستقبل، تصل ربما الى معلومات ما يمكن ان تحمله عودة الحريري الى بلده وجمهوره وجمهور 14 آذار بعد خمس سنوات من الهجرة الطوعية او القسرية، وبعد الاهتزاز الذي اصاب تحالف قوى 14 آذار، بسبب تبني ترشيح النائب سليمان فرنجية لمنصب الرئاسة الاولى، واعتبار الدكتور سمير جعجع ان العماد ميشال عون له افضلية الوصول الى بعبدا، طالما ان الحريري طوّب رئاسة الجمهورية لقوى 8 آذار. هذه الرغبة لدى بعض قيادات «المستقبل» مبنية اولاً على توق شديد لاعادة لملمة بيت 14 آذار، وثانياً على ضرورة مواجهة ما يجري في سوريا من تغيرات مفاجئة وخطيرة قد تؤدي الى مواجهة واسعة بين روسيا والنظام السوري ومن ورائهما ايران من جهة – وتركيا والسعودية ودول الخليج من جهة ثانية، باوسع مروحة من المكونات اللبنانية السيادية، وذلك يكون وفق هؤلاء اما بالاتفاق على التخلي عن ترشيح فرنجية وعون، والتفتيش عن ثالث حيادي، واما اقناع الحريري بفتح صفحة جديدة من الحوار مع العماد عون يصلان فيه الى حلول من التقارب لا يحمل «نقزة» لقوى 8 آذار، وخصوصا لحزب الله، وقد تكون اجواء «البيال» المشجعة، بما ضمت من شخصيات وقيادات من 14 آذار او من يمثلهم، دافعاً للحريري للاقدام على مثل هذه الخطوة، التي ستشيع اجواء ايجابية لدى «المستقبليين» ولدى جماهير 14 آذار، ومن المفيد الاشارة الى ان النائب وليد جنبلاط، سبق عودة الحريري باعلان خوفه من زلزال قادم الى المنطقة قد يغيّر في هوية لبنان، وهو تخوّف في مكانه الصحيح، لان طبول الحرب التي تتعالى اصواتها في سوريا والعراق، لم تعد بين النظامين السوري والعراقي من جهة، والتنظيمات المعارضة والارهابية من جهة ثانية، بل لان تركيا العضو في الحلف الاطلسي والسعودية المتحالفة مع الولايات المتحدة الاميركية، يمكن ان تنزلقا الى مواجهة مع الدب الروسي المتحالف مع ايران، وعندها لن يقف الحلف الاطلسي مكتوف الايدي، بل سيسارع الى نجدة العضو تركيا والحليف السعودية وعدد من دول الخليج، وعندها يصبح واضحاً قول مدفيديف رئيــس حكومة روسيا ان تدخل تركيا والسعودية في ســوريا قد يفــجّر حربا عالمية، بمـــثل ما يفهم تحذير كيري للنظام الســوري، بان «الاسد يكون واهماً اذا اعتقد انه قادر على الحسم عسكرياً». في اشارة منه الى تصميم اميركي على منع تدمير المعارضة السورية المعتدلة المستهدفة من روسيا والنظام.
* * *
في خضم هذه الاجواء الخطيرة، بدأت تظهر على الارض معالم الخريطة الجديدة لدول المنطقة، وخصوصا لدولتي سوريا والعراق، حيث يسعى الاكراد في العراق وسوريا وتركيا الى رسم حدود دولتهم بالحديد والنار، كما ان سير المعارك في سوريا يشير الى ان قيام دولة علوية شيعية، مع اقلية مسيحية، لا يغيب عن تخطيط الدول الكبرى، بموافقة ضمنية من المعنيين بهذه الدولة التي يقال انها ستضم اجزاء كبيرة من الجنوب اللبناني والبقاع، امتداداً الى عرين الطائفة العلوية على طول الساحل السوري. من هنا فان تخوف جنبلاط على لبنان، قد يكون مستنداً الى هذا المشهد المخيف الذي من شأنه ان يسقط حدود عدد من الدول العربية كمرحلة اولى، منها العراق وسوريا ولبنان، وقد لا تنجو مستقبلاً تركيا وبعض الدول العربية من المصير الذي يكتب لها باحرف من دم ونار.