عندما قرأتُ صباح أمس خبراً مفاده أن الصين تُصنّع في هذه الايام نسخة طبق الأصل عن سفينة “تايتانيك” (بالحجم نفسه)، بهدف تحويلها “لعبة رعب” في مدينة ملاهٍ ضخمة، فيتسنى للداخلين اليها اختبار الدقائق الأخيرة بين الاصطدام بجبل الجليد والغرق، لم أستطع أن أمنع نفسي من القهقهة (تحسراً بالطبع، وضيقة عين). تصوّروا أن الناس يتهاتفون منذ الآن على شراء البطاقات لاختبار تلك المأساة، رغم أن بناء الـ”تايتانيك” الجديدة لن ينتهي قبل سنتين، بينما نحن لدينا باخرة “تايتانيك” حقيقية، اسمها لبنان، هي جزء من أسطول من الـ”تايتانيكات”، اسمه العالم العربي، مشرفة على الغرق المتواصل، المضني والبطيء، لكنها، للأسف، لا تجذب أحداً.
لا أحب أن أكون سلبية، والتشاؤم ليس من طباعي، ولكن ألا تشعرون مثلي أحياناً بأننا على متن سفينة عظمى تغرق ببطء؟ ألا تحسّون أن حياتنا مفخخة بكارثة على وشك الحدوث في كل لحظة؟ كلما نظرتُ حولي في شؤون المدن والناس والطقوس والقوانين والآلام والأوجاع، وشجون العنف والإجرام والتخلف والقمع والجوع والفقر، الفرديّ منها والجماعيّ، ثبت لديّ أننا حقاّ على متن باخرة مشرفة على الغرق. وليس من قبطان.
جبل الجليد الذي اصطدمت به باخرة الـ”تايتانيك”، موجود فينا، في رؤوسنا، وليس فقط أمامنا. وإذا كان ممكناً أن تغيّر الباخرة خطّ سيرها فتتجنّب الاصطدام بجبل الجليد، فكيف نتجنّب جبال الجليد المتراكمة في العقول المتحجرة، وفي القلوب المتحجرة، وفي القوانين والعادات والأعراف والتقاليد والقيم المتحجرة، التي تسرّع انحدارنا إلى تحت، إلى حيث لا خلاص، ولا قدرة على الصعود مجدداً الى أفق الأمل والضوء والتقدم والحرية.
المشكلة أن غالبيتنا لا تدرك، أو تتجاهل أننا في باخرة “تايتانيك” هائلة تمخر بنا عباب المجهول، ولكن في اتجاه الجدار المسدود، بل توّاً نحو الهاوية.
ماذا يمنع الاصطدام؟ مَن يمنع الاصطدام؟ كيف نمنع الاصطدام؟ هذه أسئلة لا بدّ منها. كما لا بدّ من غيرها. فوحدها الأسئلة تحضّ على مساءلة العقل، وتضع المرء أمام حقيقة واقعه وحجم مسؤولياته. لكن لا أحد تقريباً يعير ذلك اهتماماً.
السفينة تغرق أيها السيدات والسادة. أيها الناس، سفينتنا تغرق بنا، وليس من بوصلة، وليس من قبطان، وليس من نداءات استغاثة. بلادنا تنبئ بالكارثة، وعلى كل المستويات. وإذا كانت باخرة الـ”تايتانيك” قد غرقت في أعماق البحار ونجا منها من نجا، فإن باخرتنا، إذا غرقت، فلن ينجو منها أحد.