Site icon IMLebanon

قبل فوات الأوان  

 

أول ما يطلب الناس، الآن، وقف هذه السجالات والانصراف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه بوضع حدٍ للتدهور. أما أن يستمر تبادل الاتهامات في وقتٍ يبدو لبنان مكشوفاً جداً أمام الخارج القريب والبعيد، فتلك هي الطريق إلى كارثة حتمية.

 

والحكومة مطالبةٌ بالعمل على وقف التدهور. هذا لا يُطلب من المعارضة والمعارضين على اختلاف ما بينهم من تمايز. فالحكومة ليست في السلطة لتسجيل المآخذ، إنما لتنفيذ مخطط واقعي وعلمي وقابل للحياة ينتشل لبنان من الهاوية.

 

وأكثر ما يطالب الناس الحكومة به هو أن تبادر إلى حماية المواطن في أمنه الأمني وأمنه الاجتماعي، وإذا كان الأمن الأول مصاناً، فالأمن الاجتماعي منهار، في وقتٍ يبدو اللبنانيون في سباقٍ محتوم مع ليرتهم: متى تصل العملة الوطنية إلى قعر القعر، ومتى لا يبقى أحدٌ منهم فوق خط الفقر؟

 

إنه سباقٌ محمومٌ حقيقي لا نبالغ لحظةً واحدةً إذا أكّدنا عليه. وهنا دور الحكومة، وإلا فلماذا هي سلطة تنفيذية؟

 

ونريد أن نؤكد على أن استمرار دوران الحكومة في دوامة فارغة برمي المسؤولية على الآخرين لن يوصل إلا إلى مزيدٍ من المشاكل والأزمات والمآزق. فالحكم استمرارية. وليس في هذا البلد الكثير من السياسيين الأنبياء والأولياء والقديسين… ولكن المسؤولية تقع على عاتق من بيده المبادرة والقرار. وهما، قانوناً ودستوراً، في يد السلطة التنفيذية.

 

لقد بلغت الأزمة الاقتصادية-الاجتماعية حدوداً غير مسبوقة. ويجب أن يكون معلوماً، أقله أن يكون غير مفاجئ، ما قد يترتب على ذلك من نتائج وسلبيات بدأت بوادرها تظهر بوضوح في الشارع. فالناس الذين كواهم الغلاء، ونهشهم الجوع، وافتقدوا أدنى مقومات الحياة، لا يهمهم السجال السياسي لأنه، كما قلنا سابقاً، لا يطعم خبزاً ولا يسدّ جوعاً ولا يشتري دواءً ولا يسدد ليس القسط المدرسي بل حتى ثمن الكتاب والدفتر.

 

نحن لا نزعم أن الخروج من الأزمة يتم بلمحة بصر، ولا بمجرّد إصدار مرسوم حكومي أو قرار وزاري، ولكن يجب البدء من مكانٍ ما، وليت أرباب السلطة يبادرون إلى وقف رمي النبال في كل صوب.

 

ثم إن الناس يريدون من الحكومة أن تنتشل لبنان من هذه القوقعة التي جعلته في شبه عزلة عربية ودولية، وما لم تُكسر هذه الشرنقة التي تضيّق الخناق على الوطن، فعبثاً يحاولون. لأنه بكسرها تبدأ الآفاق بالانفتاح أمام لبنان واللبنانيين: في السياحة والاقتصاد والمال والأعمال والاستثمار…

 

نقول هذا دون أن يغيب عنا لحظةً واحدة أن ثمة أزمة عالمية كانت قائمة من قبل انتشار وباء فيروس كورونا وتمادت معه. في أي حال، ما لم يتم استرجاع الدور والحضور، وخصوصاً الحياد اللبناني الفعلي في ترجمة صادقة للنأي بالنفس، فمن المستحيل توقّع أي إيجابية. وهذا دورٌ منوطٌ بالحكومة، فهل تؤديه قبل فوات الأوان، أي قبل فلتان مِلقّ الجوع الكافر؟ وما أدراك ما تكون التداعيات؟!