IMLebanon

قبل خراب البصرة

لا يحمل الرئيس سعد الحريري، عصا سحرية تُنتج حلاً جاهزاً للأزمة الرئاسية تنقل لبنان من مرحلة الخطر المحدق به إقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وحتى وجودياً لكيان ودولة لها مؤسساتها الدستورية التي تعمل بشكل طبيعي، لكنه يحمل رغبة صادقة في ضرورة الخروج من هذا المأزق في القريب العاجل وقبل أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع، وعندها لا يعود ينفع الندم.

ومن هنا ولهذه الأسباب كانت عودته إلى بيروت، وحركة المشاورات المكوكوية التي بدأها انطلاقاً من بنشعي، حيث هناك مرشحه للرئاسة الأولى النائب سليمان فرنجية للبحث معه في الوسائل الآيلة إلى الخروج من هذا المأزق الرئاسي قبل سقوط الهيكل، وما هي المعطيات المتوافرة عند رئيس تيّار المردة في هذا الخصوص، وهل الاستمرار في ترشحه هو الحل للمأزق الرئاسي المتدحرج منذ سنتين وأربعة أشهر ويزيد أم البحث عن مرشّح آخر يكون هو الحل لهذه الأزمة وهل يكون هذا المرشح هو مرشح حزب الله الوحيد العماد ميشال عون، وفي حال العكس ما هو البديل وهل اختراع البديل ممكن في ظل تمسّك حزب الله بالعماد عون وعدم التخلّي عنه حتى ولو أجمعت كل قوى العالم على غيره.

ومن الطبيعي أن تكون هذه الأسئلة أخذت حيّزاً أوسع من النقاش بين رئيس التيار الأزرق ورئيس تيّار المردة، وتوصلا إلى مخارج لإخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة وإنقاذ ما تبقى من الدولة ومن مؤسساتها التي تهاوت الواحدة وراء الأخرى حتى لم تبقَ واحدة منها تعمل بشكل طبيعي.

والأسئلة نفسها، يطرحها الرئيس الحريري على كل القيادات التي سيزورها في جولاته عليها ويستمع إلى وجهات نظرها لكي يكون الموقف الذي إذا اتخذه يمكن أن يلقى قبولاً من الجميع ويؤدي حتماً إلى الخروج من المأزق، وإعادة لبنان إلى موقعه الطبيعي كدولة لها مؤسساتها التي تعمل بصورة طبيعية ولها حضورها في المجتمع الدولي الذي ثبت مدى حرصه على بقاء هذه الدولة الديمقراطية في هذا الشرق، وعدم التضحية بها لأن سقوطها هو سقوط لكل مسيحيي هذا الشرق.

ليس لرئيس التيار الأزرق موقف مسبق لما يروّج في بعض وسائل الإعلام، وهو توجيه البوصلة باتجاه العماد عون بوصفه مقبولاً من حزب الله الذي يتوقف عليه قرار مصير الرئيس والرئاسة معاً أو باتجاه أي مرشّح آخر، ما عدا أنه يريد خرق هذا الجمود الحاصل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية لأنه يُدرك تماماً مدى الأخطار المحدقة بهذا الوطن في حال استمر الفراغ في الرئاسة الأولى، لكنه في الوقت ذاته لا يتحمّل وحده مسؤولية خرق هذا الجمود وعلى الجميع المشاركة في تحمّل هذه المسؤولية باجتراح الحل المناسب للخروج من المأزق الرئاسي بصرف النظر عن ماهية هذا المخرج وهل يكون بتوحيد الموقف حول العماد عون أم حول غيره من المرشحين المعلنين وغير المعلنين.

إن الجديد في هذا التحرّك هو أن كل الطرق والأسئلة التي طرحها ويطرحها رئيس التيار الأزرق تؤدي إلى الرابية وليس إلى أي مكان آخر طالما أن حزب الله يرفض البحث في أيٍّ من الخيارات الأخرى ويستمر في تعطيل جلسات انتخاب الرئيس من دون أخذ أي مضاعفات على البلاد جرّاء هذا التمسّك بالحسبان، وكأنه يقول، إمّا العماد عون رئيساً وإمّا خراب البصرة، والظاهر أن رئيس التيار الأزرق لا يرغب في أي حال من الأحول الوصول إلى خراب البصرة، ولأجل ذلك ربما وصل في تقديم التنازلات إلى حدّ القبول بعون رئيساً حتى ولو خربت بصرته عربياً وإقليمياً ودولياً.