Site icon IMLebanon

قبل سقوط الهيكل

 

“إنها إشارة تحذير إلى القادة السياسيين في لبنان”. معه حقّ يان كوبيتش المنسّق الخاص للأمم المتحدة في ما أوردَه من تغريدة على حسابه عبر تويتر، بعد لقائه رئيس الجمهورية، معلّقاً على أحداث طرابلس التي وصفَ القائمين بها بأنهم “متظاهرون غير سلميين”.

 

ونودّ أن نتوقّف عند قوله “إشارة تحذير” إلى القادة السياسيين. هي في تقديرنا إشارة قويّة متعددة الرسائل:

 

أولاً- إنها رسالة تحذير إلى المسؤولين الذين يجب أن يدركوا أن التدهور الإقتصادي أوصل الناس إلى حدّ الكفر، وإلى الإقدام على خطوات بالغة الخطورة، وهي تَتّخذ في طرابلس بعداً مختلفاً، كون “عروس الثورة” رمت بثوب الزفاف السلمي واتجهت إلى هكذا خطوات كانت قد بدأت تظهر بخجل في الأيام الأخيرة للثورة، قبل أن توقفها التدابير الوقائية من فيروس كورونا. وقد استمعنا، ليل الإثنين – الثلاثاء، إلى الهتاف المكرر: “لا سلمية… لا سلمية…”.

 

ثانياً- هي رسالة تحذير إلى قيادات (!) الثورة تحديداً لمعرفة ردود فعلها في ما إذا كانت ستمضي في المنحى السلمي أو أنها ستحذو حذوَ عاصمة الشمال خلال اليومين الماضيين من أحداث أقلّ ما يُقال فيها إنها مؤسفة جداّ، قدر ما هي غير مقبولة لجهة الإعتداءات التي طاولت الممتلكات الخاصة وتحديداً فروع المصارف وتعريضها للتخريب والتدمير والحرق في عملٍ منهجي، كان يبدو جلياً، أن وراءه مخططاً مرسوماً ينفّذه مندسّون ويأتي في سياق الحملة على هذا القطاع الحيوي الذي يتبيّن أن هناك من لا يُريد له أن يستمرّ واقفاً، وهو عمودٌ أساس يركُن إليه النظام الإقتصادي اللبناني الحرّ. والإعتداء عليه، كما حصل في طرابلس وكما يحصل في بعض الإعلام وبعض السلطة وبعض الأحزاب، إنما هو مؤشّر بالغ السلبية.

 

ثالثاً- هي رسالة تحذير واضحة إلى المتلاعبين بالعملة الوطنية وإنهيارها أمام العملة الخضراء مع ما يُرافق ذلك من تقلّص المداخيل، خصوصاً المدّخرات والمرتّبات والتعويضات التي تتبخّر يومياً من بين أيدي أصحابها، بهذا الإرتفاع في سعر الدولار غير المنطقي وغير المبرّر وغير المفهوم… يُرافقه صعود هائل في مؤشر الغلاء، في ما يكشف إلى أيّ حدّ ينحدر اللبنانيون نحو الفقر وما دونه… في مؤشّر مباشر وأكيد على إنهيارٍ كبير يكادُ أن يكون متعذّراً وقفهُ في الوضع الراهن وبالذات مع هذا الإنشقاق الكبير في البلاد، سواءٌ أعلى صعيد القواعد الشعبية أم القيادات السياسية. فلا السلطة الرسمية موحّدة في أطيافها كافة ولا المعارضة موحّدة كلياً في ظلّ إختلافات جوهرية بين أركانها كما كشَف أحدهم قبل يومين في مقابلة مع قناة “العربية”.

 

وليؤذن لنا أن ندّعي أنّ البلد في حاجة إلى إعادة نظر شاملة في كلّ شيء، على صعيد الممارسة السياسية وبالذات الممارسة الإقتصادية، إذ لم يعُد ثمّة إقتصاد يقف على مقوّمات ثابتة في هذه الأيام.

 

قد لا نرجُمُ في الغيب إذا توقّعنا الأسوأ، فصرخة الناس تعلو فوق كلّ إعتبار ولا نظُن أننا نطلب الكثير إذ ندعو إلى مؤتمر وطني عام، ولنُسمّه طاولة حوار موسّعة تنبثق منها قرارات يتمّ الإتفاق فيها على إعادة نظر شاملة تُعيد تقويم الإعوجاج، وتضع البلاد على سكة الإنقاذ.

 

إنها مسؤوليةٌ عامّة قبل سقوط الهيكل على رؤوس الجميع.