Site icon IMLebanon

قبل إعدامنا كـ”جون توين”!

 

 

يعيش أحد مستشاري الحكّام نزعة سلطوية ليست غريبة عن فترة الوصاية السورية. تسلّطه المستمر على الصحافة يُعيدنا الى شخصية دخلت التاريخ. إنه “السير روجر لسترانج” الذي استحدث له النظام الملكي الانكليزي في عهد الملك شارل الثاني (1660) صفة الرقيب التابع للسلطة ووظيفته قمع الحريات التي لا تتوافق مع موقف النظام الملكي، وكان يقال عنه بين الناشرين وأصحاب الرأي “إن القبر نفسه لم يكن ملجأ من شره”.

 

فترة شهدت منع اصدار أي دورية أو مطبوعة من دون الحصول على ترخيص مسبق من السلطات المختصة، فضلاً عن تحديد عدد المطابع بعشرين مطبعة فقط، وإطلاق يد “وزراء الدولة” في مراقبة المطابع. ومن أشهر الاحداث في تلك الفترة هو إعدام محرر إحدى النشرات الاخبارية جون توين بفصل رقبته عن جسده وتقطيعه إلى أربعة أقسام متساوية، وإخراج أحشائه خارج بطنه وتمزيقها إرباً على أن يبقى الرأس وأجزاء من الجسم تحت تصرف الملك. ورغم ذلك لم يقف الناشر مكتوف اليدين أمام محاولات قمع الحرية وابتكر البدائل كالرسائل الخبرية المنسوخة بخط اليد أو بنسخ ما هو مطبوع.

 

هي فترة ما بعد الحرب الأهلية في انكلترا، لكن سبقتها محطات عدة اضطهدت فيها السلطة الملكية الناشرين وقادة الرأي الذين يعارضون فكرها، وإذا أردنا أن نبحث عن أسس الانطلاق فنعود إلى ما قبل ذلك، وتحديداً الى القرن السادس عشر مع انتشار المطابع، وحينها تُسجل معركة مارتن لوثر الألماني في مواجهة عمليات إفشال دور المطابع في نشر الفكر البروتستانتي.

 

في القرن السابع عشر أيضاً أصدر الملك جيمس الأول والملك تشارلز الأول حظراً على دخول أول صحيفة مطبوعة ظهرت في انكلترا The coronet out of Italy Germany التي صدرت في امستردام العام 1620، وأمرا بسجن الناشرين الذين يحاولون طبع هذه الصحف من دون موافقة الحكومة. لكن الناشرين زرعوا في دواوين الشعر والكتب الشعبية الأخبار ضمن الصفحات.

 

تاريخ قديم من قمع الحريات في انكلترا أثبت أن الصحافة كانت أقوى من عمليات القمع، وأن الرأي مهما حاول النظام اسكاته سيجد الطريقة التي يخرج بها للناس، وما يجري في لبنان اليوم من محاولات “المستشار” لتعديل قانون المطبوعات وإضافة عقوبة السجن للصحافيين ليس سوى الدليل على أن السلطة ضعيفة وتخشى الكلمة. وبعد طرح عقوبة السجن لا ينقص في لبنان سوى إعدام الصحافي على طريقة جون توين، علماً أن البلاد شهدت على أن يد الشر التي لم تستطع أن تعدم صحافياً بعد محاكمة راحت إلى اغتياله. علينا العودة إلى جون ميلتون الذي اشتهر في القرن السابع عشر بدعوته لحرية الصحافة بمقولته: “أعطني حرية أن أعرف وأن أعبر وأن أناقش بحرية ووعي، فهذه الحرية فوق كل الحريات”.