احتفلت إيران بالاتفاق – الاطار الذي توصلت اليه مع مجموعة دول 5 + 1 في لوزان، واعتبرته انتصاراً، في حين أن الاتفاق أجّل لمدّة سنين طموحاتها النووية، ووضع البرنامج برمّته تحت اشراف دولي. هذا معناه أن ايران صاحبة الحلم الامبراطوري وضعت جزءاً من “كرامتها” الوطنية التي جسّدها البرنامج النووي طوال عقدين من الزمن تحت “وصاية” دولية، وبالتحديد تحت وصاية الولايات المتحدة التي تمثّل من الناحية العملية الطرف الدولي المعني بالبرنامج النووي. وإذ يخرج الايرانيون من “المبارزة” الطويلة بعد دفن معظم الشعارات التي قامت عليها الثورة الايرانية، فضلاً عن دفنهم جانباً أساسياً من العداء مع “الشيطان الأكبر”، فإنهم ربما ربحوا انفتاحاً اقتصادياً يلي رفع العقوبات المتدرج، ويكون بمثابة عصر جديد سيكون حتماً مختلفاً عما سبقه. أما الاميركيون فإنهم يربحون في مطلق الأحوال كونهم ما كانوا يخشون البرنامج النووي الايراني حتى بوجهه العسكري، بل لأنهم يدخلون طهران – النظام شاءت أم أبت في عصر أميركا والغرب. فالمجتمع الايراني أنهى طلاقه مع الثورة ومع الخمينية منذ زمن بعيد، وهو متعطش لدخول عصر العولمة بمختلف وجوهها الاقتصادية، الثقافية والاجتماعية. وفي إيران جيل من الشباب أكثر تغرباً من أي وقت مضى، ولا ينتظر سوى لحظة للتحول الكبير في العلاقة مع الغرب. هذا الجيل الشاب لا يجد أي رابط حقيقي بحلفاء ايران – النظام كروسيا وكوريا الشمالية وسوريا بشار، وكثيرون منهم خرجوا في “الثورة الخضراء” سنة 2009، ليعلنوا دفن ايران الخميني، رافعين شعارات لا غزة ولا لبنان، احتجاجاً على السياسة الايرانية الخارجية وامتداداتها على قاعدة “إيران أولاً!”.
الذين خرجوا ليلة وصول وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لاستقباله في مطار طهران الدولي إنما جاؤوا معلنين بشكل أو بآخر نهاية ايران الخميني، وذلك قبل وفاة “الولي الفقيه” السيد علي خامنئي، وقبل بدء مسار التفكك البطيء لمنظومة النظام الفولاذية، بما فيها “الحرس الثوري” بمختلف قواه العسكرية – الامنية – الثقافية – الاقتصادية – المالية.
ما تقدم لا يعني ان النظام سقط، أو انه آيل الى السقوط سريعاً. سيقاتل أهل النظام بقوة وبدموية أي ارادة تحررية في ايران، لكن المشهد الأخير سيرسم بدخول ايران عصراً مختلفاً تماماً عما سبق. والأهم من ذلك بالنسبة الى القوة الخارجية المرتبطة عضوياً بالنظام مثل “حزب الله” سيتغير المشهد تدريجاً، مع سقوط “الشعارات” الممجوجة عن “تحرير القدس” و”الممانعة” و”المقاومة” بتحولها الى أدبيات مثيرة للسخرية. وحده سيتواصل الاستقطاب المذهبي القوي الذي تمارسه طهران “ولاية الفقيه” يطاول شرائح شيعية عربية وغير عربية خارج إيران. ولكن مع الوقت سيتبين للشيعة العرب تحديداً أن هذا النوع من الاستقطاب انما وضعهم في قلب حرب مذهبية طاحنة مع السنّة العرب لا نهاية لها.
ربما كان “حزب الله” أن يخفض نبرته الانتصارية فيما بدأت مسيرة الألف ميل في ايران نحو المقلب الآخر!