ينقص الوجود الروسي في سوريا ان يعلن بوتين انه “وجود شرعي وضروري وموقت”، تماما كما كان النظام الأسدي يعرّف دوره في لبنان، لكن من دون “شعب واحد في بلدين”، لعدم واقعيته.
هذا الوجود، أعلن، ضمنا، فشل ايران في تدعيم نظام الاسد المتهاوي، وأحلّ موسكو في منصب الوصي المباشرعليه، والقادر على منازعة واشنطن، في الاقليم، من دون ظلال التنازلات الايرانية الجدية في “الملف النووي” و”ضواحيه” السياسية.
أولى نتائج التدخل الروسي، اذا، عودة موسكو بقوة الى المسرح الدولي، وبفاعلية الى مياه المتوسط. ثانية النتائج، إنهاء حلم طهران باتخاذ دور القوة الاقليمية الرئيسية، وتحولها الى منفّذ وتابع للاستراتيجية الروسية في المنطقة، وهو ما ينطبق على “حزب الله” والفصائل الشيعية العراقية. ثالثة النتائج، وضع طهران ودمشق وبغداد في تنسيق ضمني مع تل أبيب، وفق “قواعد اشتباك” تحددها المصالح الروسية في الشرق الأوسط، وما يحيل على السخرية هو قول نائب رئيس المجلس التنفيذي للحزب الشيخ نبيل قاووق “إن الضربات الروسية تعزز محور المقاومة في وجه التكفيريين”، متجاهلا مواجهة اسرائيل.
من هنا، تبدو طموحات طهران الإقليمية، وشعاراتها الفلسطينية تحديدا، الضحية الأولى، وفي ذلك ما يفسر تصعيد متطرفي نظامها الهجومات على السعودية، في حادثة مشعر منى، برغم الأصوات الداعية إلى التعامل الهادئ، كحال هاشمي رفسنجاني، رئيس مجمع تشخيص النظام. فاستعداء الرأي العام الإيراني على الرياض، يبعد الأنظار عن إدعاء القوة السابق، وعن التنسيق الضمني مع اسرائيل. فـ”الشيطان الأكبر” انتهى بالإتفاق النووي، وحليفه “الأصغر” بات شريكا مقيما في “الخندق الروسي” المستجد.
لكن لماذا تحركت روسيا الآن؟ هل لأن النظام بات على الرمق الأخير، وأشهرت طهران عجزها عن تدعيمه؟ وهل التدخل هو فعلا ضد “داعش”، أم ضد المعارضة المعتدلة؟ وهل هو للحسم، أم لتعديل ميزان القوى ليتاح للنظام أن يكون طرفا في تسوية تفصلها روسيا بما يحفظ مصالحها في المنطقة؟ وأين تقع أهمية النفط السوري، والغاز المكتشف عند الشاطئ بين بانياس وطرطوس، والتنافس الروسي – التركي على تغذية أوروبا بالغاز، وكون دمشق الزبون الخامس على 88 شارياً للسلاح الروسي؟
إلى كل ذلك، ما حقيقة مخاوف موسكو من ارتدادات “داعشية” عليها، وزعمها، على طريقة “حزب الله”، أنها تذهب إلى محاربة “داعش” في سوريا قبل أن ينتشر “الفكر التكفيري” بين الـ20 مليون مسلم روسي وفي دول القوقاز التي منعت استقلالها بعيد انهيار الإتحاد السوفياتي، بسبب ثروتها النفطية؟
كل الإجابات صالحة، لكن المشهد الحالي ليس نهائيا، ولا تعكس الوقائع دائما ما هو مخطط. فمن فيتنام إلى أفغانستان، فالصومال، لم تستسلم المجريات اليومية لما رسم في الغرف المغلقة.
عادة، تسهل معرفة البدايات وليس النهايات.