بعضهم يصوغ قرارات… وآخرون يكتفون بالمخصصات… ومنهم من ارتقى إلى مرتبة وزير
محظوظ من يعيّن مستشاراً لمسؤول، فمنصب المستشار خطوة أولى في الإتجاه الصحيح نحو الكرسي، مقعد وزاري أو نيابي أو في الجسم الديبلوماسي أو في وظيفة رسمية “شرفية”. والزملاء الصحافيون أكثر من يملك هذا الطموح وهم يتأملون زملاء لهم بعدما أصبحوا وزراء ونواباً مثل عقاب صقر، نهاد المشنوق، فيوليت الصفدي وغيرهم، يمرّون من أمامهم رافضين الإدلاء بتصريح. في حين قد يرفض سياسيّ ما الاستعانة بمستشار قبل الوصول إلى السلطة، هذا ما جرى مع العماد ميشال عون، إذ صرح في العام 1994 في مقابلة مع جريدة “الحياة” أنه لا يحتاج إلى مستشارين باعتباره أذكى منهم، قبل أن يصبح رئيساً ويعيّن الكثير من المستشارين.
قد تتجاوز سلطة المستشار سلطة رئيسه فيصبح المسيّر والمقرّر خصوصاً متى كان قريبأ أو مقرّباً أو متدللاً. فكثيرة هي القرارات المصيرية التي يوقّعها مسؤولون وتطبخ في مطابخ المستشارين قبل وضعها على موائد من في يدهم الحلّ والربط والتعيين. فإن أنطوى القرار (أو المرسوم) على عثرات نال المستشار تأنيباً وإن لقي استحساناً فكل الإيجابيات تصب في مصلحة المسؤول وإنجازاته التراكمية. ويفضّل بعض الوزراء تزكية مستشاريهم في وزارات تولوها لسنوات ما يجعل الوزير الأول وصياً على الوزير ـ المستشار. وتوحي أعداد المستشارين أننا نعيش في بلد تقرّ فيه القوانين والمشاريع والحلول التقنية للمشاكل بسرعة غير مسبوقة وبإتقان لا يصدق، فقد أمضينا 13 سنة في مناقشة الاستراتيجية الدفاعية على سبيل المثال ولم يتمكن فيها القادة المدججون بالمستشارين من التوصل إلى صيغة مقبولة.
مستشارو الرؤساء
يحيط برئيس الجمهورية ميشال عون عدد وافر من المستشارين، فلديه مستشار للشؤون الروسية وآخر للشؤون الديبلوماسية، ومستشار للشؤون الدولية وآخر للشؤون الهندسية ومستشار للشؤون الأمنية وآخر للشؤون المشرقية إلى ما هنالك من الشؤون والشجون… عيّن الكثير من المستشارين، يأخذ برأيهم ويعتمد كثيراً على وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي وهو سنده القانوني. وعلى الرغم من كثرة المستشارين المحيطين بالرئيس والوفود التي تأتي إليه لتقدم استشاراتها، يبقى الصهر مستشاره الأقوى.
وبعيداً من نصائح الصّهر، نستذكر الخلاف الشهير الذي وقع بين مستشاريّ الرئيس، وظهر علناً على القناة الأورنجية. إذ اتّهم يومها المستشار الإعلامي للرئيس ومدير أخبار قناة الـ “أو تي في”، جان عزيز، مستشار الرئيس للشؤون الدولية الياس بوصعب بالسرقة ووصفه بـ”العميل المزدوج”. وفي أيام قليلة حسمت المعركة لصالح المستشار الأقوى والأثرى، وأطيح بالأضعف فخرج من القصر والمحطة.
ولعلّ رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري أبرز من استوعب مستشارين، إذ استعان بعدد كبير من المستشارين الإعلاميين والسياسيين والإقتصاديين وكل منهم يدّعي أنه كان في الحلقة الأقرب. لمع نجم مستشاري الحريري وعاشوا بفضل كرمه، المستحق بينهم وغير المستحق، وأصبحوا من أصحاب الملايين (من الدولارات طبعاً)، ووصل عدد منهم إلى الندوة البرلمانية والجنة الحكومية.
وكما الأب ، كذلك الإبن الوارث جزءاً من تركة الوالد “الإستشارية” ومع الوقت استبعد بعض المقرّبين وأبقى على من يشاركه خياراته.
أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فلا يحتاج مستشاروه إلى تبوؤ المناصب ليكونوا ذوي سلطة، ورغم ابتعادهم عن الأضواء تتسرب أخبارهم بين الناس، وبعضها نُقل على لسان النائب جميل السيد يوم اتهم مستشاراً لبري من دون أن يسميه، بقبض الرشى لقاء توظيف أشخاص. خبر يشير إلى قدرة المستشار المذكور على توظيف من يشاء. ومن أبرز مستشاري بري أحمد البعلبكي، وينتشر اسمه وحجم نفوذه وبعض قصصه الصحيحة والمختلقة في أوساط الحركيين. أما الدكتور علي حمدان وعلى العكس من بعلبكي، فلا يتجنب الظهور الإعلامي. وقد أثار اسم حمدان جدلاً بعد أن نُشر في وثائق ويكيليكس، بأن مستشار الرئيس بري للشؤون الخارجية قال للسفير الأميركي خلال حرب تموز:”عندما ينقشع الغبار، سيرى الشعب النتيجة التدميرية للتفرّد المغامر لحزب الله”. لكن “حزب الله” وحركة “أمل” “طوّقا” التسريبات.
من مستشار إلى وزير قويّ
بدأ الزميل نهاد المشنوق مشواره السياسي صحافياً، قبل أن يصبح من أقرب معاوني رفيق الحريري. ويقال إن المشنوق كان منذ العام 1989 وحتى 1998 في غرفة أسرار الحريري قبل أن يسافر الى باريس بعد تعرضه لضغوط. وعمل المشنوق مع الحريري قبل أن يتولّى منصب مستشاره الإعلامي في العام 1992 بعد تكليف الحريري تشكيل حكومته. ويُقال أيضاً أن من رغب بزيارة الحريري كان عليه أن يمرّ بالمكتب الصغير لمستشاره المشنوق. في العام 2009 أصبح المستشار المشنوق نائباً، وفي العام 2014 حقق حلمه بتولي وزارة الداخلية إحدى أهم الوزارات وأكثرها نفوذاً. لكن الأمور انقلبت في العام 2018 بعد خلاف بين الحريري الإبن ومستشار أبيه، أُبعد على أثره المشنوق عن الوزارة وكاد المقعد النيابي يطير منه!
مستشار لعهدين
عمل جريصاتي مستشاراً للرئيس السابق إميل لحود، من ثم عمل في المحكمة الخاصة بلبنان كمستشار قانوني لفريق الدفاع عن أربعة من أعضاء “حزب الله” المتهمين باغتيال رفيق الحريري. دارت الأيام وأصبح جريصاتي مقرّباً من عون. في العام 2012 عيِّن جريصاتي وزيراً للعمل بدل سلفه المستقيل شربل نحاس. فبعد أن تمرَّد نحاس على قرار “التيار الوطني الحر” استُبدل الوزير المتمرّد بآخر مطيع، يدرك كيف يستنبط من الدستور والقوانين المخارج المناسبة لتياره. ما دفع التيار لجعل جريصاتي وزير دولة لشؤون رئاسة الجمهورية. وزارة جديدة ومنصب استشاري فاعل.
من مستشار إلى رئيس حزب
عمل وئام وهاب بين العامين 1991 و 2000 مستشاراً سياسياً للنائب طلال أرسلان قبل أن يعيّن وزيراً للبيئة في العام 2004. وعلى الرغم من عدم اكتمال فرحة وهاب بالمنصب بسبب سقوط الحكومة بعد اغتيال الحريري، غير أنه عرف كيف يستغل الظروف السياسية ليبرز نجماً في برامج الحوار السياسي، ويخترع “حزب التوحيد” في العام 2006 ويرأسه. نجومية وهاب لم تمكّنه من كسب منصب جديد، ولم تترجم أصواتاً في صناديق الاقتراع. فلم يصل المستشار السابق لأرسلان وخصمه في المعركة الانتخابية إلى النيابة. اليوم يكتفي وهاب بمنصب ساعي بريد بانتظار منصب جديد ورسالة جديدة ينقلها.
ليس وهاب وحده المنقلب، ففي الانتخابات النيابية الأخيرة طلب النائب السابق ميشال فرعون من مدير مكتبه سيبوه مخجيان الترشح عن مقعد الأرمن الأرثوذكس في دائرة بيروت الأولى، ليستخدم ترشيحه كورقة في التفاوض. لكن مخجيان الذي عمل مع فرعون مدة 23 عاماً رفض طلب الأخير بسحب ترشيحه. فحصل الطلاق بين النائب ومدير مكتبه فتموضع مخجيان في كتلة منافسة لكتلة فرعون جمعته والمرشحة ميشيل تويني، والنائب سيرج طورسركيسيان… خسر ثقة فرعون وإدارة مكتبه ولاحقاً خسر الرهان على حصان ضعيف!
الوزير باسيل يورّث مستشاريه
خرج رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من وزارة الطاقة والمياه، لكنه أبقاها “في جيبه” وبعد تعيين أرتور نظريان وزيراً للطاقة أكمل مستشارا باسيل مهامهما في الوزارة. في العام 2016 عيّن باسيل مستشاره سيزار أبي خليل وزيراً للطاقة والمياه، وبعد “ترقيته” إلى نائب عيّن المستشارة ندى البستاني وزيرة جديدة للطاقة والمياه في الحكومة الحالية. بذلك يكون باسيل قد أبقى على رأس الوزارة الطاقم نفسه الذي حكمها منذ ما قبل إطلاق الوعود بتأمين الكهرباء 24 على 24.
الوزيرة العصامية
نادراً ما تبرز إمرأة على الساحة السياسية بكفاءتها، ونادراً ما يلجأ رجال السياسة إلى استشارة امرأة، مع ما يتطلبه ذلك من جهد إضافي على المرأة ان تبذله لتثبت نفسها. والوزيرة ريا الحسن نجحت في إثبات كفاءتها حتى استطاعت أن تصبح أوّل وزيرة للداخلية في بلد عربي. وقبل أن تصبح وزيرة للمالية العامة في العام 2009، عملت الحسن بين العامين 2005 و2009 مستشارة لرئيس الوزراء فؤاد السنيورة. وبدأ نجم الحسن بالسطوع بعد أن عينها وزير الاقتصاد والتجارة الراحل باسل فيلحان مستشارة له بين العامين 2000 و2003. وفليحان بدوره كان مستشاراً للرئيس رفيق الحريري قبل أن يصبح وزيراً… ثم شهيداً. ولم تبرز فيوليت خيرالله كمستشارة إعلامية مؤثرة إلى جانب النائب محمد الصفدي. فانحصر تأثيرها بسعادة النائب وكانت من أسباب سعادته وهو من أسباب توزيرها. وفي حزب “القوات اللبنانية” شغل العميد الركن وهبة قاطيشا موقعاً إستشارياً وتقدم بثبات صوب البرلمان فيما عمل ملحم رياشي مستشاراً للنائب السابق ألبير مخيبر ثم للوزير السابق الياس المر قبل أن ينتقل إلى معراب… ودوره الإستشاري لم يكن قليلاً .
على الرغم من مسيرته السياسية والديبلوماسية والصحافية والنيابية والوزارية الرائدة، رضي غسان تويني بأن يكون مستشاراً لرئيس الجمهورية أمين الجميل طوال عهده. مناصب ومسؤوليات كبيرة وكثيرة تولاها تويني لم تمنعه من وضع خبرته بتصرف الجميّل وكان في موقع الطبّاخين الكبار لسياسة العهد.
كلفة المستشارين
يقول الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ”نداء الوطن” إن موازنة العام 2019 خصصت مبلغ 2.6 مليار ليرة للمستشارين في الوزارات. “وهو مبلغ قليل لا يعكس الحقيقة اذ يتم تخصيص المستشارين من خلال اعتمادات اخرى مثل نفقات شتى، لأنه وتبعاً للقانون يحق لكل وزير بـ 3 مستشارين وهذه المبالغ نظرية ولا تكفي. ولا يحدد القانون عدد مستشاري رئيس الجمهورية لكن جرى الاتفاق ألا يزيد العدد عن ثلاثة”. وتصل كلفة المستشارين لدى رئاسة الجمهورية وفقاً للموازنة الحالية إلى مليار ليرة. ووفق شمس الدين هناك مستشارون يعملون مجاناً لأنهم يستفيدون في مجالات أخرى من خلال عملهم. وهناك مستشارون فتحوا مصلحة ومنهم من فتح حزباً ومنهم من فتحها الله في وجهه فأثرى وقليلون الذين كدّوا في الظل ولم ينالوا ما استحقوا لا بالعملة الصعبة ولا بالتقدير المعنوي.