في موازاة انهماك بعض النواب في التنظير السياسي أو التشريعي، يجتهد أشقاؤهم اجتماعياً ومهنياً لتأمين مقومات الحفاظ على الكرسي النيابي في منازلهم. ويبدو واضحاً في أكثر من أسرة أن شقيق النائب هو النائب الحقيقيّ، أو هو أحق من شقيقه بالكرسي النيابي
يبذل أشقاء بعض النواب، مثل عضوي كتلة الوفاء للمقاومة محمد فنيش وحسين الموسوي، كل ما في وسعهم ـــ عن قصد أو غير قصد ـــ لإحراج أشقائهم وتشويه صورتهم أمام الرأي العام. وفي المقابل، يضع أشقاء نواب آخرين كل قدراتهم في تصرف استمرارية أشقائهم، قامعين رغبتهم الغرائزية بالجلوس محلهم، رغم «نقّ» الزوجات والأبناء والامهات أحياناً، وحق بعضهم الطبيعي بوراثة كرسي الأسرة النيابي.
البداية من عكار: يجلس عضو كتلة المستقبل النيابية هادي حبيش على كرسي شقيقه زياد. زياد أكبر من هادي بعامين. قاد، قبيل ولاية والدهما النيابية اليتيمة (دورة 1996) وبعدها، الماكينة الانتخابية. استقبل طوال عشر سنوات الناخبين المفترضين ليتابع عبر والده تلبية مطالبهم، مثبتاً للاستخبارات السورية أن بيتهم أحق بالنيابة من غيره لأنه أنشط من كل الآخرين في الحفاظ على مصالح السوريين في عكار وحمايتها بشتى الوسائل، على حساب علاقته بأبناء بلدته وحرية هؤلاء وكرامتهم. وها هو يخطب في 28 أيلول 1999 في وادي خالد، في مناسبة العيد الثلاثين لثورة الفاتح الليبية، مشيداً بفتوحات الرئيس الخالد حافظ الأسد، منوهاً بتآخي الثورة القذافية مع الثورة البعثية ودعمهما للبنان. أما الأهم من هذا كله فهو توطيد علاقته بعشرات البيوتات السياسية، بعيد اكتشافه أهميتها في توسيع الآفاق الاقتصادية والسياسية. وبناءً عليه، كانت كل الظروف مؤاتية لإكمال زياد دبكة والده السياسية، إلا أن ظروفاً ـــ يقول بعض المطلعين إنها قانونية ـــ حالت دون ترشحه عام 2005. وقد استطاب هادي النيابة، فلم يفكر بإعادة كرسيه إلى صاحبه المفترض عام 2009 ولا حتى عامي 2013 و2014 حين تقدم بترشيحه. رغم هذا، يرتضي الشيخ زياد الاستمرار في أداء الدور الذي كان يؤديه أيام كان والده نائباً: يوفر الأموال للأسرة، يدير الماكينة الانتخابية، يستقبل الناخبين ويودعهم ويسهر على حماية كرسي الأسرة النيابي بشبكة علاقات سياسية وأمنية وطيدة.
أما ربيع ضاهر، فقد شبّ فيما كان الشيب يغزو شعر شقيقه النائب خالد ضاهر. يتمتع بحرية الحركة، فيما شقيقه مقيّد. يصول ويجول في عكار، فيما تقتصر جولات شقيقه على التنقل بين غرف منزله في طرابلس. هو في عكار إذاً، فيما نائب عكار في طرابلس. كل من يعرفهما يقول إن «خالد رجل أقوال، فيما ربيع رجل أفعال». «ربيع الماكينة الانتخابية والتعبئة وتجنيد المتحمسين وتنظيمهم ضمن المجموعات المنضبطة في كل بلدة» يشرح أحد المطلعين.
لمعظم النواب أشقاء يعملون في الظل لتدعيم بقائهم على كراسيهم
لكن برغم السوداوية المحيطة بالنائب الصاروخ وانقطاعه عن التواصل المباشر مع ناخبيه، آثر عدم الانسحاب أخيراً لشقيقه – ولو ترشيحاً في ظل التمديد للمجلس النيابي. ليس لأن الملاك لم يبشر والده بشقيقه ربيع وحسب؛ بل لأن نجل خالد بات قاب قوسين من حمل مشعله، كما يقول أصدقاء الابن.
في طرابلس، يكاد يُختصر المشهد اليوم بإصرار النائب محمد كبارة على الجلوس فوق الكرسي نفسه لأكثر من ربع قرن، حارماً شقيقه عبد الغني كبارة تجربة الجلوس على هذا الكرسي ولو لدورة واحدة. ويشير أحد المطلعين في هذا السياق إلى عدم إيجاد تيار المستقبل شخصية طرابلسية في كل المدينة تتمتع بما يتمتع به عبد الغني من نفوذ خدماتي ووعي سياسي وعلاقات وطيدة بمختلف العائلات الطرابلسية، نظراً الى تفرغه لصيانة هذه جميعها منذ انتخب شقيقه نائباً. وبعد تعيينه منسقاً لتيار المستقبل في المدينة بين عامي 2005 و2009 وسّع الرئيس الحريري هامش التحرك أمامه عبر تعيينه مستشاره الوحيد لشؤون المدينة. إلا أن النائب كبارة يفترض أن طموح شقيقه السياسي، بعد تسلقه السلم التنظيمي لتيار المستقبل، يجب أن يقفز فوق النيابة إلى الوزارة. فبدل التفاف النائب الطرابلسي على سعي الوزير أشرف ريفي لمحاصرته وسلبه مناصريه، عبر تسليم الشعلة لشقيقه القويّ في تيار المستقبل، يواصل القتال من أجل كرسيه النيابي تحت أنظار شقيقه حتى نفسهما الأخير.
فعلياً دخلت قصص الرئيس سليمان فرنجية وشقيقه حميد التاريخ. يكاد يكون في كل بيت سياسي شقيقان يتصارعان: أمين وبشير الجميل، داني ودوري شمعون، عمر ومعن كرامي، طلال وفيصل إرسلان، ميشال وغبريال المر. يبقى الصراع داخل الجدران أو يخرج إلى السطوح، تتوارثه الأجيال كما في حالة آل لحود وفرنجية والخوري وشمعون والجميل والمر وغيرهم.
في عمشيت ينشط أشقاء النائب وليد الخوري إلى جانبه في حماية كرسيه الجبيلي خدماتياً، من دون أن يتقدم أحد منهم عليه. فالثلاثة يعملون بالطريقة نفسها، مسلّمين لعديل آل افرام بالنيابة. في المتن الشمالي كان صراع النائب سامي الجميل وشقيقه الوزير بيار الجميل، قبيل استشهاد الأخير، يحتكر المشهد. أما اليوم، فالصورة مختلفة: كان بول كنعان شقيق النائب ابراهيم كنعان نجم العائلة السياسي لسنوات بحكم قربه الشديد من العميد ريمون إده، وأدائه الدور الرئيسي والأبرز في ماكينة النائب الراحل ألبير مخيبر. وفي وقت كان النائب كنعان يكد في بريطانيا وغيرها لتوطيد دعائم إمبراطورية أسرته المالية، متسلياً بالسياسة في أوقات فراغه، كان بول يعمق انتماءه الحزبي بتوليه المسؤولية الإعلامية الأولى في حزب الكتلة الوطنية، مطلعاً عبر ماكينة مخيبر على كل خفايا المتن الشمالي وخباياه الانتخابية. رغم ذلك، نشط بول بعد ترشح شقيقه في ماكينته من دون أي احتجاج، واضعاً كل علاقاته في تصرفه. مع العلم أن النائب المتني يؤكد في مجالسه الخاصة ثقته المطلقة بشقيقه، ولا يشكك أبداً في مزاحمته له، برغم تجنبه تأييد شقيقه في خلافاته مع بعض رؤساء المجالس البلدية، أو دعمه له في رئاسته لنادي الأنوار، مما أدى إلى تحقيق الفريق نتائج غير مسبوقة في سوئها.
ضمن الأسرة المخيبرية، لا يبدو أن الشيخ بول هو المظلوم الوحيد، فكل من عايش «الحكيم» عرف بقرب نائب رئيس بلدية بيت مري السابق سامي مخيبر منه. يكبر الأخير شقيقه النائب غسان مخيبر بعدة سنوات؛ وهو على غرار عمه طبيب خدماتيّ بامتياز. لا تنقصه سوى المواقف السياسية السيادية حتى يكون نسخة طبق الأصل عن النائب الراحل ألبير مخيبر. فهو «حرِك» اجتماعياّ، طيب، صريح ويذهب في تعامله مع الطب كرسالة إنسانية إلى أبعد الحدود. مع العلم أن سامي كان دائم الحضور بقرب عمه، فيما كاد يقتصر حضور غسان مخيبر على المحطات القانونية فقط. أما بعد تسليم العائلة مشعلها لغسان، فتراجع سامي خطوة إلى الوراء، مكملاً مع شقيقه الجزء الأكبر مما كان يقوم به مع عمه، من دون طموح شخصي هذه المرة. ولا شيء في حركة النائب مخيبر يوحي بأنه يفكر في التنازل لشقيقه عن كرسي عمهما، بعدما شغله دورتين ونصف دورة انتخابية وأربع سنوات تمديد.
أما في الأشرفية، فلا يمكن من يرى تحرك يمنى بشير الجميل بديناميكية وود غير مصطنع وسط المحيطين بها سوى التساؤل كيف اختير نديم لإكمال جزء من مسيرة والدهما. يشير أحد الكتائبيين إلى أن نسبة ما يقرأه نديم يومياً، مثلاً، لا يتجاوز واحداً في المئة مما تقرأه يمنى. الأخيرة تستوعب التطورات السياسية وتحللها وتربط العناصر المختلفة بعضها ببعض، فيما نديم يقف أمام المرآة محاولاً تقليد والده بالإشارات. هي أمّنت لشقيقها النفوذ الصغير وسط كتائبيي الأشرفية، وتتوسط على مدار الساعة لدى أصدقاء والدها حتى يستوعبوا شقيقها أكثر فأكثر، وهي مؤسسة بشير الجميل وعلاقات أسرتها السياسية المحلية. مشكلتها الوحيدة، ربما، أن ماكينة 14 آذار الإعلامية عجزت عن تعديل صورتها لتغدو مماثلة لصورة بشير في حملتها الترويجية للشهداء المرشحين للانتخابات النيابية.
بقاعاً، استسهل النائب السابق اسماعيل سكرية تسليم مقعده النيابي لشقيقه النائب الحالي الوليد سكرية، فيما تحافظ «الفتوشية» السياسية على توزيعها الذكي للأدوار، من دون شعور أشقاء النائب نقولا فتوش بأي غبن جراء احتفاظ الأخير لنفسه بالكرسي النيابي أكثر من ربع قرن.
ختاماً كان يمكن القوى السياسية تأجيج الحساسيات الطبيعية بين الأشقاء لو كانت المعارك الانتخابية متقاربة إلى حد يتأثر فيه المرشح بترشح شقيقه على اللائحة الأخرى، وخصوصاً أنه ما من تماهٍ سياسي مطلق بين السياسيين السابق ذكرهم وأشقائهم، لكن ما من انتخابات أولاً، وما من معارك انتخابية جدية في حال حصول انتخابات ثانياً. أما ثالثاً وأخيراً، فما من كميل شمعون اليوم، وهو المسؤول عن انقسام عشرات البيوتات السياسية على نفسها لتحقيق أهدافه الانتخابية.