كل ما يمكن أن يُقال في وصف شريطَي الفيديو اللذين انتشرا قبل يومين على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، ويظهران قيام عناصر من قوى الأمن بتعذيب مساجين، محقٌ. وكل المطالب والمناشدات التي جاءت على ألسنة المواطنين والناشطين السياسيين بمعاقبة العناصر التي ظهرت في الفيديو وهي تقوم بأعمال تعذيب شنيعة وتطلق الشتائم بحق المساجين هي أكثر من محقة.
إلا أنه، وانطلاقاً من الأوضاع الأمنية والسياسية الداخلية والمحيطة في لبنان، لا بد من الإشارة الى أن ما حصل كان أكثر بكثير من عرض فيديو لتعذيب مساجين أو حملات تطالب بمعاقبة المسؤولين. فوزير الداخلية نهاد المشنوق وفي مؤتمره الصحافي الذي عقده في الوزارة وخصصه للحديث عن الإجراءات التي سيتخذها بحق المرتكبين كان واضحاً بأنه لن يسكت وأنه هو تحديداً الذي تجرأ على فتح ملف سجن روميه أمنياً عبر إنهاء الإمارة التي كانت تحكم السجن منذ سنوات وإنسانياً عبر ترميم السجن بما يناسب حقوق الإنسان، ولن يسمح بهكذا انتهاكات.
ورغم كلام المشنوق الحاسم والواضح وزيارته سجن روميه لمقابلة المسؤولين الأمنيين ومقابلة السجناء الذين ظهروا في أشرطة الفيديو وهم يتعرضون للتعذيب، وائل الصمد وقتيبة الأسعد وعمر الأطرش. كانت الحملات على المشنوق تشتد بما يوحي بأن المطلوب كان أكثر بكثير..
مصادر متابعة للملف رأت أنه كان المطلوب «أن يُقال للشارع السنّي إن خيار الاعتدال الذي اخترتموه بوقوفكم مع تيار «المستقبل« وخلف الرئيس سعد الحريري لم يجلب لكم شيئاً، وإن وزير الداخلية، أكثر المنادين بالاعتدال وأكثر المحاربين للتطرف لم يقدم لكم شيئاً سوى تعذيب مساجين إسلاميين«. أضافت: «ومرة جديدة بائسة كانت الرسالة واضحة لمناصري تيار المستقبل: ليس أمامكم إلا داعش والنصرة… هي ليست المرة الأولى التي توجه هكذا رسائل الى هذا الشارع الذي ورغم كل التطرف المحيط به بقي محافظاً على سلميته ومدنيته ومتمسكاً بهما، لكن هذه المرة كانت الرسالة الأوضح والأكثر مباشرة وبالصوت والصورة«.
المطلوب أيضاً كان رسم الأسئلة حول شعبة المعلومات وعملها، وهو ما تنبّه له وزير الداخلية في مؤتمره الصحافي رافضاً أن تتم محاكمة قوى الأمن وشعبة المعلومات بسبب أخطاء فردية قامت بها بعض العناصر.
وعادت المصادر بالذاكرة إلى «أحداث عبرا بعد قيام أفراد من المؤسسة العسكرية بتعذيب موقوفين ووقتها وقف الجميع في وجه الإساءة الى المؤسسة بشكل عام وكان المطلوب معاقبة العناصر المرتكبة«. وذكّرت بـ»التشكيك بهذه الشعبة وبعناصرها يوصل الى أماكن كثيرة أبسطها التشكيك في التحقيق مع كل من فايز كرم وميشال سماحة وضرب الإنجازات التي قامت بها مؤسسة قوى الأمن الداخلي منذ عام 2005 الى اليوم. علماً أن القوة الضاربة من شعبة المعلومات والتي قامت بعملية سجن روميه هي نفسها التي تصدت لإرهابيين في لبنان كخالد حبلص واسامة منصور ووقتها أصيب أحد عناصرها بإصابة خطيرة«. كما ذكّرت بأن «فريق الثامن من آذار عمل طوال السنوات الماضية على تحطيم وتهشيم صورة هذه المؤسسة واتهامها بأنها مؤسسة تابعة لتيار المستقبل، واليوم يُراد من استثمار هذا الفيديو القول إن هذه المؤسسة نفسها هي من تسيء الى الطائفة السنية، وكل هذا كان مطلوباً من وراء نشر مشاهد التعذيب البشعة وأكثر«.
إنها المؤامرة المستمرة على البلد ومؤسساته وخيار الاعتدال، لكن أيضاً الاستثمار في الجريمة هو بحد ذاته جريمة..