يوماً بعد يوم يظهر الانقسام العمودي حول اتفاق بكين، الذي وُقّع بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية صينية.
في الحقيقة منذ شهرين تقريباً.. جرى افتتاح السفارة الايرانية الجديدة في بيروت… يومذاك ألقى الرئيس نبيه بري خطاباً دعا فيه الى الاتفاق بين إيران والبلاد العربية.
وبالفعل لم تمر إلاّ فترة قصيرة جداً حتى رأينا الاتفاق يبصر النور.. ولكن اللافت ان تصريحاً للسيّد حسن نصرالله قال فيه: الذين ينتظرون تسوية عليهم أن ينتظروا طويلاً…
هذا التناقض يؤكد ان هناك فريقين في إيران ينقسمان حول التسوية.. فهناك فريق يريدها وفريق ثانٍ لا يريدها، الفريق الذي لا يريد التسوية، وبكل بساطة هو الحرس الثوري.. لأنه يمسك كل مفاصل الدولة ومواردها بيده، وكل الشركات والأموال والقوات العسكرية بيده، هو الآمر الناهي في الجيش وفي المال، لذلك لو تمّت التسوية بالفعل فسيفقد دوره ويصبح ضعيفاً الى حد ما… لذلك فإنّ التسوية تهدّد مصالحه، لذا فهو لا يريدها.
والأبرز ما حدث في تعيين الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي القائد في الحرس الثوري الايراني علي أكبر احمديان أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي الايراني ليخلف القائد البارز والمساهم في التقارب الايراني – السعودي علي شمخاني.
لا شك في ان إقصاء مهندس التقارب بين إيران والسعودية سيكون له أثر سيّئ حتى لو لم تظهر النتائج فورية، بل سيكون التأثير في القريب العاجل.
والجدير ذكره ان شمخاني كان قد أقال حسين طائب رئيس دائرة الاستخبارات وأقوى رجل في الحرس الثوري، وكان ذلك قبل سنة بتاريخ 2022/6/22.
اما الفريق الذي يريد التسوية، ويريد إعادة موارد الدولة لبناء إيران وتحسين الوضع الاقتصادي والمالي للدولة، والتوقف عن صرف المليارات على مشاريع التشييع وولاية الفقيه، فهو يكافح من أجل تنفيذ الاتفاق.
لا شك في ان هناك أموالاً كثيرة تُعَدّ بالمليارات تصرف على مشاريع لا تفيد الشعب الايراني، فعلى سبيل المثال: ماذا ينفع الشعب الايراني عندما تصرف إيران ملياري دولار على حزب الله سنوياً، و»بحسبة» بسيطة فإنّ هذا الحزب كلف إيران والشعب الايراني منذ عام 1983 الى يومنا هذا (أي خلال 40 سنة) 80 مليار دولار، خسرها الشعب الايراني واستفاد منها حزب الله…
من ناحية ثانية، وكما صار معلوماً، فإنّ إيران تدعم حركة حماس والفلسطينيين الباقين بـ350 مليون دولار عدّاً ونقداً و350 مليون دولار ثمن أسلحة ترسلها إليهم، وهذه خسارة تذهب من أموال الشعب الايراني الذي يعاني في أغلبيته ضائقة اقتصادية خانقة.
كذلك لا ننسى الحوثيين الذين يكلفون الدولة الايرانية المليارات دعماً وأسلحة، فعلى صعيد الصواريخ والمدافع فإنّ ما ترسله ايران ليس بالقليل، ولا ننسى المسيّرات، وهناك كلام بأنّ المبلغ المخصص للحوثيين يصل الى حدود مليار دولار سنوياً… وللتذكير فإنّ صواريخ الحوثيين وصلت الى «الخُبَر» وتحديداً «أرامكو» في المنطقة الشرقية من المملكة.
من هنا جاء انتقادنا لدعوة الرئيس السوري بشار الأسد الى القمة في جدة، وقلنا: هل حصلنا على أي مقابل؟ وقلنا أيضاً إنّ أهم بند في طريقة تصرّف الحكم الايراني هو التقيّة، إذ يقولون أشياء ويعملون عكسها.
في النهاية، فإنّ موضوع اتفاق بكين يحتاج الى فترة زمنية قد تبلغ ثلاث سنوات على أقل تقدير،
وما علينا إلاّ الانتظار لعلّ الحلّ آتٍ.