Site icon IMLebanon

إلى متى لبنان وسوريا خارج تغطية «وثيقة بكين للسلام»؟

 

 

ما زال السؤال مطروحاً عن موقع لبنان على مقياس ترددات «تفاهم بكين» بين الرياض وطهران قبل أن تأتي التطورات الاخيرة بما لا يطمئن. ولذلك ينبغي التوقف أمام المؤشرات السلبية المُقلقة بدءاً بتعثّر انتخاب رئيس الجمهورية ومروراً بـ«صواريخ القليلة والجولان» ومضمون الاتصال بين الرئيسين الايراني ابراهيم رئيسي والسوري بشار الأسد، بما يمكن الاستثمار فيها بعيداً من أحداث الاقصى وغزة. وعليه، طرح السؤال: هل فصل ملفّا لبنان وسوريا عن «وثيقة بكين للسلام»؟

تعترف مراجع سياسية وديبلوماسية مطلعة بأنها لم تقتنع بعد بحصر عملية إطلاق مجموعة الصواريخ اللقيطة من سهل القليلة في اتجاه شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة في رفض الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى وكردة فعل فورية على محاصرة المصلّين بمجموعات من الشرطة الاسرائيلية والمستوطنين اليهود على قاعدة «توحيد الساحات» بين الداخل الفلسطيني الموزّع بين غزة والضفة الغربية ومناطق «عرب الـ 48» والشتات الفلسطيني في دول الجوار المحيطة بالدولة اليهودية من الاردن الى سوريا ولبنان.

 

ولذلك، تعتقد هذه المراجع انّ الاصرار على هذا التفسير يفرض أداء مختلفاً لمحور الممانعة ومن يمثّله في لبنان والمنطقة، لا سيما في العواصم العربية الثلاثة التي تتحكم بها ايران من بغداد الى دمشق وبيروت عَدا قطاع غزة بعد إخراج صنعاء من المعادلة الخماسية للدول التي نجح الحرس الثوري الإيراني في تأسيس جيوشه الخمسة فيها وادارة شؤونها كما ادّعى مسؤولوه قبل سنوات عدة بلغت فيها حدة المواجهة السعودية ـ الايرانية ذروتها القصوى.

 

وان دخلت هذه المراجع في مزيد من التفاصيل، تضيف: ان ما كان متوقعاً من خطوات ومتغيرات كبرى تَلت التوصّل الى ما سمّي «وثيقة السلام بين العرب والفرس» برعاية صينية في العاشر من آذار الماضي لم تتحقّق خارج ما يتصل بالازمة اليمنية وتردداتها على الدول المحيطة بها في عمق الخليج العربي. لا بل انّ بعض العمليات العسكرية التي استهدفت القوات الاميركية غرب مجرى نهر الفرات من دون سابق إنذار وما أدّت اليه من مواجهة غير معلنة بين واشنطن وطهران قد اتخذت منحى خطيراً وعكست أجواء سلبية على المنطقة التي كانت تتبادَل فيها السيناريوهات الخاصة بالسلام بين القوى الاقليمية المتنازعة.

 

وما زاد في الطين بلة ان تكثّفت الغارات الجوية والصاروخية الإسرائيلية بطريقة شبه يومية على المواقع التابعة للحرس الثوري الايراني في دمشق وجنوبها كما في المناطق الداخلية في شمال شرق البلاد وساحلها، بعدما عُرف بـ«عملية مجدو» في الجليل الأعلى. وهو ما أدى الى مقتل مستشارين إيرانيين وعشرات من الجنود السوريين ومن مسلّحي المجموعات الموالية لإيران في مناطق عدة قرب الحدود العراقية ومدن أخرى شرق مجرى الفرات، عدا عن إصابة عشرات آخرين من مختلف هذه القوى.

 

وانطلاقاً من هذه المحطات التي سبقت الاعتداءات المباشرة على المسجد الاقصى، انتقلت بؤرة التوتر الى الجنوب اللبناني وغزة ومحيطها عَدا عن المخيمات القائمة في الضفة الغربية، فانسحب التوتر إليها وتوجّهت الانظار الى قراءة خلفياتها، خصوصاً انها وقعت تزامناً مع أسوأ أزمة سياسية وحكومية تعيشها الحكومة الاسرائيلية الجديدة ولم تدخل بعد شهرها الثالث في السلطة نتيجة التعديلات التي اقترحها رئيسها على النظام القضائي ومشاريع اقامة الاجهزة الامنية الجديدة المتفلّتة من رقابة القيادات العسكرية التقليدية التي شُكّلت لتكون أداة في يد وزير الأمن الداخلي المُتشدّد الذي يسعى الى تغيير الواقع القائم في القدس ومنشآت الاقصى ومحيطه وفي مناطق «عرب 48»، حيث المواجهة حتمية في رأيه بين العرب واليهود.

 

وفي ضوء هذا «البازل» السياسي والامني بشكله المعقّد، تعددت الخطوات والاحداث العسكرية والامنية بين الداخل الاسرائيلي والخارج وجاءت صواريخ الجنوب التي نسبتها اسرائيل الى حركة «حماس» بعد استبعاد «حزب الله» عنها. وهي سلسلة مواقف رافقت وجود رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية في بيروت وعشيّة لقائه والأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ما أكسَبها تفسيرات عدة.

 

وعليه، ولمّا حاولت بعض المصادر تفسير عملية إطلاق الصواريخ بأنها ردّ على ما شهده المسجد الأقصى من اعتداءات، خصوصاً عندما انطلقت صواريخ متشابهة من الاراضي السورية في اتجاه الجولان السوري المحتلّ. ولمّا لم يقتنع كثر بهذه المعادلة كانوا يسعون الى إعطائها طابعاً آخر، أقلّه القول انه الرد الايراني على الغارات الاسرائيلية على سوريا ومقتل المستشارين، وهو ما أكسبها بُعداً يتجاوز الوجه الفلسطيني لها. وما زاد من صدقية التفسير على خلفيته الايرانية وربطها بأحداث المنطقة وليس الاقصى فحسب، جاءت المعلومات الرسمية التي نشرت عن مضمون الإتصال الذي جرى بين الرئيسين الايراني ابراهيم رئيسي والسوري بشار الاسد لتؤكّد هذه الابعاد الاقليمية والدولية. فقد رَد الرئيس الايراني على إشارة الاسد خلال الاتصال الى انّ «بوادر انهيار إسرائيل أخذت تظهر» بالقول: «إنّ النظام العالمي يتغير لمصلحة محور المقاومة وضد نظام الاستكبار وإسرائيل». و»انّ جرائم إسرائيل تدل الى ضعف هذا الكيان وإحباطه، وهي دليل على أنّ المستقبل واعد ومشرق بالنسبة الى المقاومة».

 

وانطلاقاً ممّا تقدّم، فقد استطردت المراجع الديبلوماسية لتشير إلى انّ ما يجري في لبنان وسوريا من تطورات امنية وسياسية تؤكد انهما ما زالا خارج «التغطية الديبلوماسية» ومفاعيل «تفاهم بكين»، في مخالفة لا يمكن إخفاؤها بعد التوقعات التي تحدثت عن انعكاسات إيجابية مُحتملة على مختلف ساحات الشرق الاوسط، ومنها سوريا ولبنان والعراق. وان كانت بغداد قد نعمت اكثر من غيرها بما آل إليه التفاهم بين الرياض وطهران قبل إعلان «وثيقة بكين». فقد كانت العاصمة العراقية ساحة تجربة وامتحان للطرفين لسنوات عدة قبل ان تتطور المواقف الى حين التوصّل إلى الاتفاق النهائي على استعادة التمثيل الديبلوماسي بينهما وبناء التفاهمات الاخرى في أكثر من أزمة يتواجهان فيها بمختلف قدراتهما العسكرية والديبلوماسية والاقتصادية لسنوات مَضَت. وكل ذلك يجري على قاعدة ما قَطفته بكين من ثمار النجاح في نهاية مسيرة المفاوضات الطويلة بينهما، بما يمكن ان تؤدي إليه من ترددات على ساحات النزاع في المنطقة وخارجها بعدما امتدّت على مدى عامين تقريباً ما بين بغداد ومسقط وفي مدن وقمم مختلفة.

 

عند هذه المعطيات تنتهي المراجع الديبلوماسية الى القول انها باتت على اقتناع بأنّ تفاهمات بكين لم تشمل بعد ساحتَي سوريا ولبنان، وانّ مجريات الأحداث فيهما تقودان الى مستقبل غامض تتعدّد فيه السيناريوهات السلبية المتوقعة في غياب ما يؤدي الى مخارج لأزمات متناسلة تعددت وجوهها ونتائجها بما لا يخدم أي مسعى في اتجاه التعافي والإنقاذ، كما اعادة البناء والاعمار الى وقت لا يستطيع أحد تقديره الآن.