Site icon IMLebanon

لبنان الى ما قبل «تفاهم بكين» ؟

 

 

قبل أن يعود الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت، لن يتجرأ أحد على اطلاق ايّ من التوقعات الايجابية المحتملة. فالمخاوف على مصير المبادرة الفرنسية تعاظمت في ظل أجواء التوتر في المنطقة نتيجة التحركات المريبة التي قد تُعيدنا الى ما قبل «تفاهم بكين».

من دون سابق إنذار لِمَن غالى في قراءاته الإيجابية وما يجري من تطورات ومفاوضات وصفت بأنها لتصفير المشكلات في المنطقة واستعادة الجميع الى «الحضن العربي»، فقد ألقَت التطورات السلبية التي تعيشها المنطقة بظلالها على لبنان والمنطقة. وكل ذلك يجري نتيجة التعثّر في تطبيق ما قال به «تفاهم بكين» من خطواتٍ تطبيعية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية وما تَبعها من خطوات بادرَت إليها الرياض في أكثر من اتجاه.

ولم تنفع السيناريوهات الايجابية التي تم ضخّها منذ تشكيل «لقاء باريس الخماسي» في 6 شباط الماضي قبل أربعة أيام من إطلاق «وثيقة بكين» وتجدد الحراك الفرنسي في حزيران الماضي في اتجاه لبنان لتبريد أيّ من الأزمات المشتعلة على ساحته، فاستعادت بين ليلة وضحاها أجواء التشنج.

 

وتأسيساً على هذه التطورات المتسارعة التي شهدتها المنطقة، توقفت مراجع سياسية وديبلوماسية عند بعض المؤشرات المتناقضة التي أدّت الى ما نحن فيه اليوم من شكوك بدأت تتسلل الى مجريات الحياة السياسية في لبنان والمنطقة بطريقةٍ توحي بضرورة شد الاحزمة والإستعداد لِما لم يكن متوقعاً من قبل،

 

فالتعقيدات التي قادت اليها السقوف العالية من الاستحقاق الرئاسي جَمّدت أي مسعى توافقي لتوفير أي مخرج يمكن ان يقود الى تقصير مهلة خُلو سدة الرئاسة من شاغلها، وما تسببت به من مسلسل الأزمات التي تعيشها المؤسسات المالية والنقدية والخدمات الحياتية للمواطنين وانعكاساتها على السلطة التنفيذية المتمثّلة بحكومة تصريف الأعمال وصولاً الى السلطة التشريعية التي فقدت كثيراً من قدراتها وصلاحياتها في ظل الشكوك بقدرتها على التشريع في غياب رئيس الجمهورية وصولاً الى ما يهدد بعض المواقع العسكرية والامنية من شغور إن لم يتم تَدارُك هذه الأزمات بالخطوات التي تعيد بناء السلطات الدستورية بكل المواصفات المطلوبة.

 

عند هذه المؤشرات تمضي المراجع السياسية والديبلوماسية في قراءتها للتطورات المقبلة على المَديَين القريب والمتوسط، لتحذّر من مخاطر استمرار التعاطي معها بالطريقة التي تغلب فيها منطق المناكفات والمماحكات السياسية التي تتجاهل الخطوات الدستورية الحازمة التي يجب أن تسلكها السلطات المعنية للتخفيف من حدة الازمات واحياء الامل في إمكان الإنتقال الى ما يؤدي الى مرحلة التعافي والانقاذ، في ظل الجهود الدولية والاقليمية التي بذلت حتى اليوم قبل أن تتوقف المبادرات الخارجية لِتُلقي بالمسؤولية على من يديرون اللعبة السياسية والمؤسسات الدستورية في البلاد ويترددون في اتخاذ القرارات المطلوبة من رجالات الدولة إن وجدوا في مواقعهم.

 

ليس في ما سبق مجموعة من الدروس والنظريات السياسية والدستورية، إنما هي قراءات ووقائع جمعت من مناقشات تَعجّ بها الصالونات السياسية والديبلوماسية المهتمة بالوضع في لبنان. وهي تدعو في السر والعلن الى تجنّب ما يمكن أن تعيشه البلاد من مَآس، إن بقيت بلا رأس. فالمنطقة تعجّ بالمشاريع المتناقضة التي قد لا يكون لبنان في منأى عنها. وانّ على الجميع قراءة المؤشرات التي يمكن أن تقودها الاستراتيجيات المرسومة لمستقبل المنطقة. فالنزاع الدولي بلغ الذروة من جديد، وما التعقيدات التي فرمَلَت الخطوات الانفتاحية بين السعودية وإيران وما نشأ مجدداً في الخليج العربي من نزاعٍ طرأ حول آبار الثروة النفطية وجزر الإمارات العربية المحتلة والمخاطر المُحدقة بالحركة التجارية في مضائقها. وكذلك ما بين الرياض وبعض دول المنطقة وسوريا في مقدمها بعد سقوط نظرية الحل على اساس «الخطوة مقابل خطوة» التي تُنذر بالعودة بالمنطقة الى اجواء التشنج.

 

وإن صدقت المعلومات التي تتحدث عن حشود عسكرية اميركية في منطقتي التنف وشرق مجرى نهر الفرات بما فيها بعض النقاط الحساسة على الحدود السورية ـ العراقية ومثلث الحدود السورية – التركية ـ العراقية وما تخطط له اسرائيل من عمليات، أبعد من نطاقها الأمني المباشر فذلك يؤكد عودة المنطقة خطوات الى الوراء.

 

عند هذه المعطيات تبدو الحركة السياسية في لبنان بطيئة جداً، خصوصاً لجهة الجهود المطلوبة لإحياء جلسات انتخاب الرئيس، بالآلية الدستورية التي تضمن انتخابه «قبل خراب البصرة»، مَخافة ان تسحب الدول يدها من المساعي المبذولة لدفع اللبنانيين الى مثل هذه الخطوات لإعادة بناء الدولة باكتمال عقد سلطاتها الدستورية مجدداً وترميم ما يمكن ترميمه من مؤسساتها قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة.

 

وإن بقيت الأمور على تشنّجها في الجنوب اللبناني، نتيجة عروض القوة المتبادلة بين اسرائيل و»حزب الله» بما يزيد من حال التوتر على مسافة أيام قليلة من قرار الأمم المتحدة بالتمديد للقوات الدولية المعززة (اليونيفيل)، وما يمكن ان يرافق البحث في تعديل آليات عملها في المنطقة. مَخافة أن تصح التهديدات الاسرائيلية بإعادة لبنان الى «العصر الحجري». وكلها مخاوف بُنيت على نظريات.