لا الخطوات العربية التصعيدية ولا الاستقرار الهش الذي لامس الخطوط الحمر الامنية ولا التحذيرات والنصائح الدولية من كل اتجاه ولا حتى ترشيحات 14 آذار لمرشحَين من 8 آذار نجحت في تحقيق اي خرق رئاسي، رغم بلوغ الوضع اللبناني الداخلي في مختلف جوانبه قمة التأزم، في ظل الشكوك العميقة في امكان التوصل الى حلول لاي من الازمات التي يتخبط فيها، وسط تصاعد الانقسامات السياسية، ما استدعى تدخلا خارجيا مباشرا على الخط محوره تثبيت الاستقرار وفرملة انهيار الحكومة السلامية.
وسط هذه الصورة القاتمة، ثمة من يراهن على نجاح الاتصالات الخارجية والداخلية الجارية في الكواليس، منطلقة من مجموعة اشارات لعل ابرزها حجم المشاركة النيابية في جلسة الثاني من آذار، رغم اعتبار أوساط نيابية ان الحضور النيابي الكثيف في ساحة النجمة لا يعني إطلاقاً التقدّم في المسار الرئاسي، الذي لا يمكن ان يكون حقيقياً إلا إذا نجح وقف إطلاق النار في سوريا، حيث سيبدأ النقاش حول الحلحلة الكبرى، وزيارة ولي العهد السعودي وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف الى فرنسا ولقاءاته مع المسؤولين الفرنسيين، والتي وان تطرقت الى المواقف السعودية من لبنان والاجراءات الخليجية ضد حزب الله بعد قرار وقف الهبة للقوى الامنية والعسكرية، لا شك ستبحث وبحسب الاوساط النيابية، سبل المساعدة على تفكيك عقدة الرئاسة حرصا على استقرار لبنان، علما ان فرنسا كانت حركت موفديها في اتجاه المملكة في اطار وساطة للحد من تدابيرها والبحث في ما اذا كان من أمل في اتجاه تحصين استقرار لبنان بانتخاب رئيس.
مصادر متابعة اشارت الى أن المأزق الرئاسي لا يزال على حاله والكلام الذي يطلق حول أولوية الانتخابات الرئاسية لن يقدم ولن يؤخر ما لم يقترن بالأفعال لأن القرار الداخلي والخارجي غير متخذ بعد لإجرائها في حين أن المبادرات غائبة والتحرّكات بقيت محصورة تحت سقف الحفاظ على الاستقرار الامني وترتيب بعض الأمور لمنع قيام اصطدامات في الشارع والمحافظة على التهدئة، لافتة الى وجود مسعى لجعل الجلسة الـ27 للانتخاب محطة للانطلاق نحو التفكير في تغيير النهج المتبع وتوسيع «بيكار» المرشحين للرئاسة ليشمل من تتوافر فيهم المواصفات لذلك، رغم برودة الحماسة عند الكثيرين من هؤلاء، كاشفة عن أن الحديث عن مبادرة جديدة أو الخروج من دائرة الالتزام بهذا المرشح او ذاك لم تتبلور بعد، رغم انفتاح بيت الوسط على النقاش ضمن أسس واضحة وغير ملتبسة.
واعتبرت المصادر أن إصرار كل من «الشيخ سعد» على ترشيح فرنجية ومحاولة تأمين انتخابه، رغم ما كشفته مصادر دبلوماسية عن تسويقه سرا وبالتعاون مع الفاتيكان، لاسم السفير جورج خوري، متمسكا بالعلن بنفي بترشيح فرنجية كي لا يحرق ورقة مرشحه الحقيقي، و«الحكيم» على ترشيح عون دون مجهود يذكر للقوات في تأمين الحشد النيابي له، خوفا من ضرب كل انجازات المصالحة المسيحية، يصعب نجاح اي من المبادرات المطروحة حاليا ويصعب «تخريجة» الرئيس التوافقي، الذي لن تتضح صورته قبل ان يحدّد اللاعبون الكبار رؤيتهم لحل أزمات المنطقة، حيث تبقى كلمة الفصل كما بات معروفا لحزب الله القادر على قلب المعادلات، رغم اعتبار فريق المستقبل و14 آذار ان حارة حريك مرتاحة للوضع الحالي والفراغ يناسبها، معتبرين أن طلب السلّة المتكاملة والتمسّك بترشيح عون يهدف الى تعقيد الانتخابات اكثر فأكثر وصولاً الى إلغاء الفكرة في فترة قريبة، «فمواقف كل من الحريري وجعجع تناسبه في لعبة المراوحة الرئاسية».
والى أن ترسو القرعة على التسوية الشاملة بما فيها لبنان، يحرص رئيس تكتل الاصلاح والتغيير العماد ميشال عون على التقليل من اطلاق المواقف السياسية، ملتزما «الصمت» الانتخابي، مرتاحا للثغرة التي حققها موقف وزير الداخلية خلال اجتماع وزراء الداخلية العرب، في جدار الحملة على مواقف وزير الخارجية، والتي اسقطت المسؤولية التي تم تحميلها للجنرال، ما كاد يطيح كليا حظوظه الرئاسية، «متهيبا» في المقابل الحركة المكوكية لغريمه الرئاسي والتي وصلت عقر داره الكسرواني. اذ تشير أوساط مقربة من النائب السابق فريد هيكل الخازن أنه تلقى اتصال تهنئة من مسؤولين في حزب الله على فتحه أبواب كسروان أمام رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، بعد العشاء الذي أقامه تكريماً له، واضعة زيارة البيك الزغرتاوي في إطار الانفتاح الذي بدأه الاخير في اتجاه مختلف المكونات المسيحية وخصوصاً الوسطية منها، من باب الانفتاح على كل المكونات المسيحية بمذاهبها المختلفة إذ ان لقاء زعيمين هما جعجع وعون لا يمكن ان يختزلا التمثيل المسيحي الشامل، والتي يرتقب ان تقوده لاحقا الى زيارة نائب رئيس مجلس النواب فريد المكاري والوزير السابق الياس المر ورئيسة الكتلة الشعبية مريم سكاف إضافة الى قوى وشخصيات أخرى ذات حيثية على الساحتين المسيحية والوطنية.
إذاً المشهد الرئاسي يدور في الحلقة المفرغة ذاتها، حيث مرشحان من القوى نفسها غير قادرين على الوصول الى بعبدا، فيما الضغط الخارجي والحراك الداخلي لا بد ان يدفعا في اتجاه وضع حد للفراغ وتتويج احدى الجلسات المقبلة، قبل عيد السنتين للفراغ، برئيس جمهورية، ما دام انهيار لبنان الدولة ممنوعا حتى الساعة، ذلك ان التغيير المفصلي، على الساحة الداخلية لن يكون إلا انعكاساً للتطورات الإقليمية وليس الداخلية.