Site icon IMLebanon

البيك» مغرداً

يكثف «البيك» حضوره عبر مواقع «التواصل الاجتماعي»، بفاعلية شبه يومية ينتظرها المتابعون. تغريداته المتواصلة تشي بأن الزعيم، المتقلب دوماً، في طور الانتقال من مزاجية معهودة إلى عبثية مشرّعة على احتمالات شتى. تعليقاته السابحة في فضائه المزاجي، تنبئ بسفسطائية منكرة لكل ما هو ثابت وحقيقة. كأن سؤاله الدائم «إلى أين» بات يختصر تردده بين فراغ المتخمين الذين بلغوا الشبع وسعيهم الدائم نحو المزيد. كما أن خياره القريب من التقاعد والاعتزال قد وضعه في حيرة بين البقاء في سدة الزعامة أو الذهاب نحو التقاعد والتوريث.

يمتاز البيك عن غيره من الزعماء بثقافة واسعة لا يحرص على إظهارها، وصراحة لا تقف عند حدود الاكتراث لمشاعر الآخرين. يختلف عن الجميع في كونه ظاهرة قيادية متجسدة في فرد وعصية على التقليد. ويختلف مع الكل في أنه لم يستثن أحداً لم يصنفه يوماً في خانة الخصوم والأعداء. ينسجم مع ذاته بالتعبير عن بواطنها، لكنه يتوقف دائماً عند مشارف إلقاء النفس إلى التهلكة. هو نموذج قائم بذاته، يقوم على الجمع بين التفرد والتردد. تفرده ليس سوى خروج على المألوف في التقاط التحولات، واستشعار البعد، وقراءة المشهد، وجرأة التعبير. أما التردد عنده فيتجاوز الفعل إلى المصدر، والمشتق الى الجامد، والآني إلى الدائم، و…

هذا البيك هو ماهية مركبة من قوة يستمدها من ذاته وضعف يفرضه الخوف من الخصوم. هو حالة مراوحة دوماً بين ما يريده هو وما لا يريده الآخرون. هويته عبارة عن تزاوج دائم بين ضدين: إقطاع وتقدمية، رأسمال واشتراكية، انحياز ووسطية، نرجسية وديموقراطية، تمذهب وأممية. أما مواقفه ففي تمفصل مستمر بين إحجام وإقدام، مرونة وشدة، إساءة واعتذار، وصل وقطيعة، لين وشدة… حتى بات رائداً في الدوران والتقلب، وأولاً في الاتصاف بالشيء وضده، ومتفوقاً في إخراج المبادئ من صلابتها ووضعها في خانة رخوة، من دون الحاجة إلى سوق ذرائع وتسويغات.

خرج من جلباب أبيه المضرج بدم الحرب الأهلية إلى حلبة الزعامة والسياسة. حمل قميصه بوجه من اتهمهم باغتياله، تارة للكسب منهم وأخرى للخصومة معهم. خرجت البلاد من الحرب، لكنه بقي أسير هواجسها وحساباتها. هو ينتمي إلى لا جهوية تضيع معها البوصلة والاتجاهات. يخوض في السياسة بميكيافيلية مفرطة على قاعدة الغاية التي تبرر الوسيلة. ينسج التحالفات ويحدد الخصوم على أساس جني المنفعة ودفع الضرر بعيداً من المبادئ والثوابت. لم يحرص يوماً على الظهور بصورة رجل الدولة بمقدار حرصه على الظهور كزعيم طائفة. يعترف دوماً بارتكاباته خلال الحرب وبعدها، وهو بذلك أقرب إلى التحدي منه إلى طلب الغفران والمعذرة. يعلن عن نيته الاستقالة من المنصب، فيما حضوره سيبقى طاغياً على امتداد أزمات الوطن.

من المستهجن أن يبلغ انكشاف «البيك» هذا المدى من الوضوح في… ومن دون أن يغير ذلك شيئا في موقعه ونفوذه وزعامته. هو كغيره من الزعماء، فوق الدولة والشعب والقانون والمؤسسات والرأي العام، لكنه بالمقابل زعيم على طريقته الهلامية وليس على طريقة أحد من السياسيين.

ملاحظة: شخصية هذه المقالة من وحي الخيال ولا تمت إلى الواقع بصلة، وإن صودف وتشابهت مع أحد من البكاوات أو الزعماء، فمن قبيل صدفة التلاقي بين الواقع والخيال.