لم يتعب سمير فرنجية. لم تنهكه تجربة اليسار، وقد انهكت دولاً عظمى. لم تحبطه «الجبهة الوطنية» وقد أحبطت جيلاً. لم تكسر «قرنة شهوان» أيّاً من احلامه بالوصل، حتى حين لامست ان تكون باباً للفصل. لم ييأس من الحوار وقد يئست منه شعوب ودول. لم يتوقف عن الرهان على قدرة الأفكار على تغيير العالم حتى بعد ان صار الدم أغزر من الحبر المراق.
لم يتعب. لم ييأس. لم يستسلم… ولا حتى من «14 آذار». اجترح مع من يشبهونه مجلساً وطنياً للمستقلين الذين صنعوا برأيه ذاك النهار المشهود من العام 2005. انتخبوه رئيساً، بعد ان كرّسوه ايقونة انتفاضتهم و «الاستقلال الثاني». محبوه كثر كما منتقدوه.. أما كارهوه فقلة.
لا يُعجِب سمير فرنجية من يرتاحون للمسلمات. لا يرتاح إليه من يملكون أجوبة جاهزة و «تاريخية». فالرجل الذي بلغ السبعين من عمره لا يزال يفتش عن اجوبة لأسئلة كثيرة، وعن حلول لأزمات هذه البلاد المتوالدة.
يقرأ. يكتب. يناقش. ينتقد، ويصل الى خلاصات. ثم يبدأ من جديد. ينقض الخلاصات. ينتقد ويناقش ويكتب. يواصل القراءة ويبدأ من جديد.
جامع المتناقضات هو.. «بيك» ويساري. دمث حتى حدود الخجل، لكنه يعود «زغرتاوياً» في لحظات غضبه. يتقن ألاعيب السياسة اللبنانية ويتمسك بنبله الاخلاقي. جريء حتى حدود التهور أحياناً، وجبان حتى حدود إخفاء عدد السجائر التي يدخنها عن شريكة حياته آن موراني. متكتم وشديد الصراحة. وبصراحته يقر عند سؤاله عن سبب تغيب بعض الوجوه من الشيعة القريبين من «14 آذار» عن انتخابات «البيال» أمس. يقول «هي المشكلة نفسها القائمة منذ العام 2005. صحيح كان هنالك حضور ومشاركة للبعض، لكنه أقل مما هو مطلوب. نعترف أننا نواجه مشكلة في الجو الشيعي المعارض لحزب الله منذ تجربتهم في 2005. وهذا ما سنواصل العمل على معالجته. بعض الامور صارت وراءنا. صراع 8 و14 آذار السياسي تخطته التطورات السياسية الجارية في العالم العربي. هذا الصراع سيُحسم في سوريا والعراق. الأكيد أن فريقاً سينهزم، لكن الأكيد أيضاً ان الفريق آلاخر لن ينتصر».
يقر سمير فرنجية بخوفه «أي عملية أمنية أو تفجير أو انفجار يمكن أن يفجر الأوضاع. لذا فعلينا ان نخوض معاً معركة مواجهة الارهاب والتطرف في اي بيئة او بقعة. هذه هي الضرورة والأولوية اليوم».
رجل الحوار والمبادرات منذ العام 1978 وأحد أبرز مؤسسي «المؤتمر الدائم للحوار» و «اللقاء اللبناني للحوار» وسواها من اللقاءات الجامعة، ينظر بكثير من الإيجابية اليوم الى حوار «المستقبل» – «حزب الله». يقول «هذا الحوار مسألة استثنائية من المغرب الى اندونيسيا. فلا يوجد على امتداد هذه الجغرافيا سنة وشيعة يجلسون حول طاولة واحدة ويتحاورون، بغض النظر عن نتائج هذا الحوار، وعلى الرغم من كثير من الانتقادات التي تطاله، خصوصاً في الاوساط السنية».
وكعادته يطالب بـ «إطلاق نفس جديد. افكار جديدة ومقاربات جديدة. سنعمل مع المجتمع المدني لنطلق مبادرات سريعة لنحصِّن أنفسنا ومجتمعنا. لا شيء اهم اليوم من حماية سلمنا الأهلي ومواجهة التطرف اينما وجد».
يتحدث فرنجية بصوت خفيض لا يخفي حماسته. كأنه يخرج للتو الى الثورة كاسراً سلطة والده حميد وعمه سليمان، رئيس الجمهورية.
لكن اللافت ان احداً من المعجبين الكثر في اوساط «14 آذار» لا يتعاطى مع «البيك» بصفته وريثاً سياسياً. حتى نيابته عام 2005 الى 2009 تبدو كـ «حادث عابر» في مسيرته السياسية ـ الثقافية – الاخلاقية.
هو سمير فرنجية المفكر والكاتب اولا. كتب في «الاوريان لو جور» و «السفير» و «النهار» و «مجلة الدراسات الفلسطينية». كما كتب في «الحياة» قبل ان «ينافسه» ببراعة ابنه سامر، الذي يتشارك مع شقيقته هلا في مجادلة والدهما ومقارعته بالحجة والمنطق والكتب.
يهرب «البيك» أحياناً الى ابتسامته وسخريته، موحياً بالاستسلام والتعب. لكن سمير فرنجية لا يتعب ولا يستسلم.