IMLebanon

أيّ تداعيات لنكبة بيروت على قضية الحريري؟

 

قبل وقوع الكارثة على بيروت وحصول المصيبة التي غطّت على كلّ الويلات التي يعانيها اللبنانيون من الأوضاع المالية والإقتصادية والإجتماعية الى الغلاء الفاحش وتدهور القدرة الشرائية والمعيشية وصولاً الى تفشي فيروس «كورونا»، كان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يحضّر الأرضية قُبيل صدور قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه. بعد إطّلاع رئيس تيار «المستقبل» على الوضع الأمني من قائد الجيش والقادة الأمنيين في «بيت الوسط» بساعات، طاول الإنفجار مقرّ الحريري، محطّماً الزجاج ومُصيباً بعض الموجودين هناك بجروح طفيفة. وعلى وقع هَول الكارثة في لبنان، قرّر الحريري مساء أمس عدم السفر الى لاهاي للإستماع الى الحُكم غداً، ثمّ أعلنت المحكمة إرجاء النطق بالحُكم الى 18 آب الجاري.

وصلت أصداء انفجار بيروت الى كلّ العالم، الذي استنفر لمساعدة لبنان. واحتراماً للأعداد الكبيرة من ضحايا الإنفجار المُدمّر، ومراعاةً لإعلان الحداد العام لثلاثة أيّام في لبنان، أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مساء أمس إرجاء النطق بالحُكم في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه من 7 آب إلى 18 منه. وكان تأجيل إعلان القرار موضع بحث جدّي في لاهاي طيلة نهار أمس، حسب مصادر مُطّلعة.

 

قرار المحكمة بتأجيل النطق بقرارها، أرسى ترحيباً وأسفاً في الوقت نفسه لدى أوساط تيار «المستقبل» وجهات أخرى مُعارضة. فهذا القرار مُنتظر منذ سنوات، إلّا أنّ دمار بيروت يُنغّص فرحة صدوره. وترى مصادر معارضة أنّ «قرار المحكمة الدولية تأجيل النطق بالقرار في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يُحترم، إذ يجب أن لا يصدر غداً في ظلّ هذا المشهد، حيث أنّ الناس مُهجَّرون والبلد منكوب، وأحداً لا يهتم بأيّ شيء غير هذه الكارثة الوطنية، ولو صدر القرار المُنتظر غداً لفقد أهميته على طريق منطق العدالة».

 

وعلى رغم تأجيل النطق بالقرار لأكثر من أسبوعين، إلّا أنّ وقع الدمار في النفوس والبيوت لن يكون اضمحلّ، ولن يكون وقع هذا القرار عند صدوره، بعد الكارثة التي حلّت بلبنان، والتي استدعت إجتماعات دولية طارئة، وقدوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً الى بيروت اليوم، بالوقع الذي كان ليحدثه، لو لم تتشح بيروت بالسواد وتُغطّى برماد الحُطام.

 

والى القتلى والجرحى وكلّ ما خلّفه الإنفجار من دمار في الأرزاق وأصحابها، أرست الكارثة التي حلّت بالبلد حالة صدمة وضياع لدى جميع اللبنانيين. وبدا الحريري خلال تفقّده أمس موقع الإنفجار وبعض أحياء بيروت، مصدوماً بدوره من هول ما شاهدته عيناه. حتى تلك اللحظات لم يكن أيّ شيء تغيّر على صعيد إصدار المحكمة قرارها غداً أو في برنامج الحريري وسفره. هو بنفسه لم يكُن يعرف ما العَمل. وأعرب عن ذلك في إجابته رداً على سؤال عن إمكانية تأجيل موعد إعلان الحكم في المحكمة الدولية بعبارة: «لا أعلم».

 

وبعد تفقّده الدمار والخراب اللذين تسبّب بهما الانفجار الكبير الذي وقع أمس الأول في مرفأ بيروت، وطاولت شظاياه قلب لبنان بكلّ شرايينه، عقد الحريري اجتماعاَ افتراضياً لكتلة «المستقبل» النيابية والمكتب السياسي والمجلس التنفيذي للتيار، صدر على إثره بيان، اعتبر «المستقبل» فيه أنّ «هناك قراراً باغتيال بيروت لا يقلّ مأسوية وهولاً ووجعاً عن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، التي سيصدر حكم المحكمة الدولية في شأنها بعد يومين (قبل إعلان التأجيل)».

 

وفي حين أنّ أيّ مسؤول أو تحقيق لم يحسم بعد سبب هذه الكارثة التدميرية التي ضربت بيروت، وتكثُر التحليلات الأمنية والسياسية لسبب هذا الإنفجار، تقول مصادر مُعارضة، أنّ «كلّ الفرضيات قائمة ومُمكنة، ومنها أن يكون الإنفجار هدفه إحداث بلبلة قبل صدور قرار المحكمة الدولية، لكن بالتأكيد إذا كانت هذه الفرضية صحيحة، على رغم أنّها مُستبعدة، فإنّ مفتعلي الإنفجار لم يكونوا على علم بأنّه سيكون بهذه الضخامة وسيؤدي الى الكارثة التي حلّت».

 

وبمعزل عمّا إذا كان الإنفجار مُرتبطاً مباشرةً بقرار المحكمة، إلّا أنّ حصوله صودف عشية إصدار هذا القرار، وأدّى الى أن يتحوّل تفصيلاً أمام المشهد القاتم وسقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى ودمار بيروت، وأن يُؤجّل النطق بالحُكم وصرف الأنظار عنه، إذ بات عابراً وثانوياً في ظلّ هذه المشهدية السوداء.

 

وفي حين كان المسؤولون في تيار «المستقبل» يستعدون لإعلان القرار، مؤكدين أن لا دعوة للمناصرين الى التحرُّك بعد صدوره، وأنّ الموقف منه سيُعلن على لسان الحريري الذي سيحضر جلسة المحكمة ويستمع الى القرار وجاهياً، تغيّر الوضع بنحوٍ دراماتيكي، وخيّم الحُزن مكان الإنتظار الفرِح.

 

وتقول مصادر قيادية في تيار «المستقبل»: «قرار المحكمة الدولية سيصدر، لكن تداعيات الإنفجار في بيروت كبيرة، وجعلت أي أمر آخر يكون عرضياً»، معتبرةً أنّ «ما نشاهده الآن من مأساة هو من تداعيات اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتهاوي الدولة منذ ذلك التاريخ وتداعيها وصولاً الى الفشل الكامل». وترى أنّ «الذي يحصل، ومهما كان سببه، وإذا كان مقصوداً أو حصل صدفةً وإهمالاً، يؤكّد أنّ هذه الدولة لا تؤتمن على شعبها».

 

كذلك، تقول مصادر في كتلة «المستقبل» النيابية: «لا نعلم ما هو قرار المحكمة وحيثياته، وننتظر صدوره لنعرف كيف سنتعاطى مع الوضع وطبيعة المرحلة بعد هذا القرار، الذي مهما سيحمِل سيكشف الحقيقة». وإذ تشير الى أن «لا تداعيات للإنفجار على مضمون القرار في حدّ ذاته»، تأسف «لأنّ الإرتياح الذي كان متوقعاً أن يرسيه القرار بات متعذّراً في ظلّ الكارثة».

 

وتؤكّد أنّه «على رغم من أنّ قرار المحكمة لن يمحي الحزن الذي نعيشه في البلد بسبب دمار بيروت، ولن نستقبل هذا القرار الذي ننتظره منذ زمن بالشكل المطلوب أقلّه نفسياً، إلّا أنّ الإنفجار سيزيد إصرارنا على كشف المجرمين والمسؤولين عن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومعاقبتهم. فإغتيال رجُل دولة بحجمه هو الذي أوصل الى الانفجار في بيروت والى الذي نعيشه الآن من مآسٍ. وأهمية قرار المحكمة الذي ننتظره أنّه سيكشف الحقيقة ويُعلم الجميع أن لا تفلّت من العدالة بعد الآن، وأنّ المجرم سينال عقابه».