IMLebanon

يا ست الدنيا يا بيروت، ماذا فعلوا بك؟

 

الكارثة الحقيقية التي طاولت بيروت، ست الدنيا وعاصمة العواصم، قد حصلت وتحققت وتجاوزت كل أحجام المآسي التي سبق أن طاولت لبنان، وكل الاحتمالات السيئة المتجلية والمتوقعة التي كنا نعتقد أنها مقبلة علينا نتيجة للأوضاع الداخلية والخارجية التي تكاد أن تُحكم علينا شدّ الخناق، بما فيها تلك الجائحة الطبيعية التي طاولت العالم أجمع بمصائب كبرى، وكان نصيبنا منها يتجاوز الحدود المقبولة لينذر بنتائج مقبلة تضاعف في أوساطنا أحجام الإصابات والضحايا والتوقعات السيئة. وكنا بدأنا العدّ الانحداري الذي هدد بلادنا بأقسى أنواع التدهور الصحي والاقتصادي والمالي والوجودي وصولا إلى حدود تصنيفنا الأكيد والمتنامي في إطارات الدول الفاشلة والوطن المفلس… حتى جاءتنا هذه المصيبة الجديدة التي لم تكن على بال أحد ولا على خاطره، ممّا دفع بالجهات «المسؤولة» إلى تصنيف بيروت، عروس المدائن، بالمدينة المنكوبة، ولبنان بالبلد المطعون في قلبه النابض أساسا بكل أنواع الحياة، فإذا بنا أمام منقلب بقدرة القادرين، إلى ضحية هامدة، غارقة بعشرات الشهداء والمصابين والدمار الهائل في بنائها وسكن أهلها وخراب مزيد من اقتصادها وتنامي حالات الجوع والتشرد والانحلال الاجتماعي والوطني بين أبنائها. هذا هو نصيب «بيروت العروبة» وحظها العاثر المتمثل بحكامها والمتحكمين برقاب أبنائها وصولا إلى هذا الاستهتار الإجرامي بحياتهم وارواحهم وسلامة أبنائهم ومنازلهم ومحلات ارتزاقهم التي محتها جائحة جديدة بكل هذا الموت والخراب والدمار. إنها كارثة الكوارث التي تطلق إلى الوجود، جملة من التساؤلات مشفوعة بذهول ورفض في أقسى الاحتمالات التي يطرحها المواطنون وهم ما زالوا في غياهب الذهول الكامل. هذه السلطة المستمرة في الوجود المتخاذل إلى أقسى وأقصى درجات الاستهتار والتواطؤ والاختباء عن الناس وتحسباتهم، والرافضة لأي تحمل للمسؤولية بدءا بالبسيط منها والخفيف، وصولا إلى أقصى درجات الضرر والخطر، كما هو شأن هذه الكارثة التي أودت بوجود عاصمة العواصم العربية والقت بها بين جموع النفايات والقاذورات والكهرباء المقطوعة والممنوعة وسائر أنواع الموبقات التي يحفل وطننا المنكوب بها من خلال المطبقين على مصيره ورقاب أبنائه.

سؤال لا بد من طرحه في هذا المجال: من أدخل هذه المواد الانفجارية القاتلة التي تكاد أن تعادل مفاعيل القنابل الذرية، ومن أودعها في خزانات مرفأ بيروت، وتحت أي باب أدخلت، وما هو الثمن الذي دفع توطئة لوضعها قنبلة «ذرية» موقوتة يمكن أن يطاولها التفجير في أي وقت وأية مناسبة، كما كان الحال بالنسبة إلى الفاجعة التي طاولت لبنان وبيروته العصماء، في ذلك اليوم الأسود الذي لم يحسب له حساب، مع أن ثمنه كان غاليا جدا وقد طاول به الأرواح والأحياء والمؤسسات والأرزاق. من هو ذلك المسؤول الخارق الذي أخفى عنا وعن اللبنانيين كل هذه السنوات الطوال التي قذفنا بعدها في جحيم الموت والدمار الهائل الذي طاولنا وطاول مدينتنا العصماء، بيروت من خلاله وخلال جبروته الإجرامي؟

سؤال آخر: مسؤولونا الحاليون: ماذا يفعلون على بهرج كراسيهم ومناصبهم وأكتفائهم منها بلقب الرؤساء والوزراء والمستحكمين بمناصبهم وبألقابها الرنانة وعطاءاتها الطنانة، والمتخلين بالفعل والواقع عن مفاتيح الحكم الحقيقي المتروك من قبلهم إلى ذوي الشأن الذين أجلسوهم على كراسي الحكم التي طابت لهم إلى درجة التشبث بها والالتحام بمواقعها والتخلي عن مسؤولياتهم التي وعدوا الناس بأن تكون نابعة من مواقعهم التكنوقراطية وانتماءاتهم المتداخلة بجذورها المزعومة مع ثورة تشرين بكل ما مثلته للبنانيين من حركة تغيير عميقة الجذور واسعة الطموح، بليغة الأهداف، فكانت هذه الحكومة القائمة، هي نسخة طبق الأصل عن وضعية حاكمة متسلطة ومتشبثة بذور السلطة ومفاتيحها، بعيدة كل البعد عن «الثورة» شكلا وأساسا.

نعم هذه الحكومة القائمة هي متداخلة مع عناصر الحكم فيها، الظاهر منها والباطن. مشكلة أداتها التنفيذية المخلصة والمتفانية في عمليات التنفيذ.

«شكرا» على هذه الهدية المتفجرة التي أتحفتم بها بلدنا الباهر وعاصمتنا الغرّاء، ولعل ما حصل يشكّل منطلقا مناسبا يبدل فيه الله الأوضاع من حال البؤس والتلاشي إلى حال الإنقاذ والخلاص.

 

المحامي محمد أمين الداعوق