Site icon IMLebanon

جمعيات عوّضت تقصير الدولة وأزمة السكن تشتدّ

 

مسنّون بلا منازل وفرق الإنقاذ تأخرت

مشاهد حزينة، قهر، وجع، حزن وضياع، وفي الموازاة هناك مشاهد “تُفرح القلب”. ثمة جمعيات وشباب وشابات هبوا من كل مكان، من كل لبنان، ليمسحوا الدموع ويساعدوا بكلمة، بربطة خبز، بطبق ساخن، بمكنسة ومجرود وبفرح هائل. من قلب بيروت مشاهد ستبقى للحاضر والمستقبل والتاريخ.

لليوم التاسع بعد الإنفجار يستمر سكان المباني المدمرة والمتضررة من انفجار مرفأ بيروت بإزالة الركام وترميم ما أمكن، بجهود من جمعيات ومتطوعين. فيما تجري أجهزة الدولة من جيش وقوى أمن داخلي، مسوحات بطيئة للأضرار، وتشاهد أعمال المتطوعين. وحتى اليوم لا تزال أصوات الزجاج المتكسّر الأكثر تردداً في أحياء المدينة. فيما تكشف جولة جديدة لـ”نداء الوطن” في الأحياء الأكثر تضرراً في الجميزة ومار مخايل النهر قصصاً جديدة يرويها متطوعون هبوا لمساعدة الناس المتروكين من دولتهم. ويعبر أهالي المنطقة عن امتنانهم للمتطوعين فيما ينتظرون وصول الدولة وإن متأخراً، إلى المكان الذي يكفي حجم الدمار فيه لتخيل حجم المعاناة وقصص النجاة. وتؤكد مسؤولة لجنة الاستقطاب في كاريتاس لبنان، تيريزا سركيس، لـ”نداء الوطن” أنّ مسنّين ظلوا أسبوعاً في منازلهم من دون أن تصل إليهم فرق الإنقاذ.

 

في مار مخايل النهر يجول عناصر من الجيش اللبناني بين الأحياء، يجرون مسحاً للسيارات ويسجلون الأضرار بطريقة بدائية على ورقة. فور مشاهدتهم تركض باتجاههم إحدى النساء، تسألهم متى سيبدأون بمسح الأضرار اللاحقة بالمنازل، يجيبها أحدهم بأنهم يقومون بإجراء مسح للسيارات المتضررة، وبأن مسح المنازل المتضررة قد بدأ ولكنه يحتاج لكثير من الوقت.

في حديث إلى “نداء الوطن”، تدلنا السيدة، والتي تدعى أميرة أبي زيد، على منزلها في مار مخايل النهر، “قبل الإنفجار لم نكن بخير لكن كانت مستورة”، تقول السيدة التي نجت وعائلتها من التفجير لتواجدهم خارج المنزل. واليوم تتنقّل أبي زيد وعائلتها بين منازل الأقارب، “فحتى الآن لم يقدم أحد مسكناً لنا، أحاول ألا أفكر بالموضوع كي أتمكن من الصمود فأنا أحاول التماسك، والموضوع يشكل ضغطاً نفسياً وأتكل على الجمعيات التي باتت تعلم بحالنا”.

 

وعلى الرغم من الألم تعبّر السيدة عن امتنانها للمتطوعين الذين بادروا فوراً للمساعدة، “فما فعله هؤلاء لا يفعله الأخوة، أتوا والدمعة في أعينهم وساعدوا من أعماق قلوبهم. لا أعرف مذهبهم ولا دينهم وسأشهد كل حياتي بأنهم لم يتركونا نحتاج لأي شيء. نظفوا بسرعة المنزل وساعدونا بالتخلص من كل الردم، قالوا لنا ارتاحوا واتكلوا علينا. لا أعرف لماذا عملوا بهذا الحماس، أعتقد لأنهم مظلومون ويعرفون أننا مظلومون. فلا أحد لديه ثقة بالدولة، بالتأكيد هم من الثوار”، تقول أبي زيد.

 

وتلفت السيدة إلى مشكلة يواجهها المستأجرون للمنازل المصنفة أثرية، إذ يزورهم مهندسون وجمعيات للكشف على المنازل ووضع مخططات للترميم، ويطرحون المسألة عليهم في حين لا يعرفون موقف أصحاب الملك ولا يمكنهم اتخاذ قرار.

 

على الطريق خيمة كبيرة لـ”كاريتاس لبنان” توزع طعاماً وأدوية، ويسجل متطوعوها أسماء الناس بعد التأكد من أنهم من سكان المنطقة المتضررة في الأشرفية. تحكي لنا تيريزا سركيس عن عمل الجمعية وما واجهته وعن الحالات التي تعاطت معها، وتؤكد بأنهم وحتى بعد مرور أسبوع على وقوع الإنفجار، استمروا في ايجاد مسنين في منازلهم لم تصل إليهم فرق الإسعاف أو غيرها. “لم يخرج هؤلاء من منازلهم منذ وقوع الإنفجار، لعدم قدرتهم على ذلك. وجدناهم بلا طعام ولا مياه، توقفوا عن أخذ أدويتهم بعد أن أضاعوها نتيجة الإنفجار. فعملنا على البحث عن علب الأدوية ومن ثم أمّنّا لهم الدواء والطعام”.

 

لدى السؤال بتعجب عن الأمر، وعن سبب تقصير المعنيين بأعمال الإنقاذ والبحث في إيجاد هؤلاء ومساعداتهم، تجيب سركيس بأن الأمر حصل نتيجة الآلية التي اتبعت في أعمال الإنقاذ. “كان من الممكن أن يكونوا جرحى ولم يصل أحد إليهم لأن المنقذين كانوا ولدى رؤية الطوابق الأولى خالية يعتقدون بأن المبنى كله قد أخلي، وفي كثير من الأحيان لم يصلوا إلى الطوابق الأخيرة ولم يقرعوا جميع الأبواب”.

 

أما التحدي الذي يواجه “كاريتاس” اليوم والذي يشكل مأساةً للسكان، فهو إيجاد سكن لمن دمرت منازلهم. “المسألة تزداد صعوبة اليوم، ففي الايام الأولى بعد الإنفجار، أقام الكثير من المتضررين لدى أقاربهم ومعارفهم، واليوم وقد طالت المدة يشعر هؤلاء بأنهم عبء على مستضيفيهم”. وعلى الرغم من أن عدد الذين طالبوا الجمعية بإيجاد مأوى لهم بلغ سبعة فقط، خلال يوم، غير أنها تتخوف من عجزها عن التعامل مع الموضوع. ومن بين الذين طلبوا من الجمعية تأمين مكان لهم سيدة ستينية كانت قد انتقلت من منزل عجزت عن دفع بدل إيجاره، للعيش في حافلة صغيرة (فان)، تعدّ فيها الكعك وتبيعه لتعيش. لكنّ الإنفجار دمّر حافلتها الصغيرة فتشرّدت. ومن بين الأشخاص أيضاً شاب استشهد اثنان من رفاقه اللذين يشاركهما السكن، فيما نجا، وعاش لأيام متنقلاً بين منازل معارفه قبل أن يطلب من الجمعية تأمين سكن له.

وتبدو “كاريتاس” مرتاحة لقدرتها على تأمين الموارد اللازمة للمساعدة. وتكشف سركيس بأن ما قدمته المؤسسة حتى اليوم هو من المساعدات المحلية، “ونتوقع وصول الكثير من المساعدات من كاريتاس في الخارج، اليوم ستصل أول طائرة من هذه المساعدات. مصادرنا كثيرة، لا مشكلة في هذا الشأن، إنما هناك مشكلة في التطبيق على الأرض، وقد اجتمعنا مع بقية الجمعيات للتنسيق وتوحيد الجهود”.

 

وعن المستفيدين من المساعدات تؤكد مسؤولة لجنة الاستقطاب، بأنها توزع لكل المتضررين، فالذين يحتاجون للأدوية يظهرون وصفة الطبيب أو علبة الدواء القديمة فيحصلون عليه مجاناً، كما نقدم الاسعافات الاولية للمصابين ويجري تعقيم جراحهم وتغيير الضمادات. توقفنا عن توزيع الوجبات الساخنة على الطريق، واليوم يوزعها متطوعو الجمعية على المنازل، لتأمين وصولها للمسنين الذين لا يمكنهم النزول إلى الشارع. وتؤكد سركيس أن “كاريتاس” ستعمل على ترميم المنازل في المرحلة الثانية.

 

 

عند الخيمة يصل العديد من السوريين واللبنانيين من خارج الأشرفية لتسجيل أسمائهم لطلب المساعدة، يقال لهم بأن عليهم التوجه إلى منطقة أخرى. يتذمر هؤلاء من الأمر، ويقولون بأنهم عرضة للتمييز والعنصرية وبأنهم هم أيضاً تضرروا من الإنفجار الذي طال منازلهم في برج حمود وغيرها. ولدى سؤال سركيس عن تكرار الأمر أمام خيمة “كاريتاس” تجيب: “الكل كان يأخذ مواد غذائية من هنا، البعض يستغل الظرف للاستفادة أكثر من مرة، وأحياناً يأتي أكثر من فرد من عائلة واحدة. لتفادي ذلك حوّلنا كل المساعدات الغذائية إلى مركزنا في الأشرفية بالقرب من مدرسة اللعازارية، ونستخدم نظام تشغيل على الحاسوب يسمح لنا بجمع المعلومات من المنطقة المتضررة لأن اشخاصاً يأتون من مناطق أخرى، وكذلك بمعرفة من استفاد والتأكد بأنه لم يستفد أكثر من مرة”.

 

الكثير من الجمعيات الأخرى تعمل في المكان أيضاً، نتبع إحداها إلى داخل زاروب في الجميزة. فخلف الأبنية الفخمة شقق متواضعة سقفها من ألواح الزينكو. يدخل الشبان والشابات المتطوعون مع خريطة للوحدات السكنية. يخبرهم السكان عن التصدعات في منازلهم وبأنهم لا يحتاجون إلى الغذاء فقد أمّنوه لهم، إنما يريدون من يرمم منازلهم. ويقول ادوارد ضو أحد الشبان المتطوعين لـ”نداء الوطن” بأنه وعلى الرغم من أنه يسكن بعيداً عن بيروت في مكان لم يصبه الضرر، شعر بأن عليه القدوم والمساعدة، فهاله وآلمه حجم الدمار على الأرض والذي فاق المشاهد المصورة.