لا دينامية سياسية، ولا حماساً شعبياً، وبرودة رسمية واضحة، رغم كل الضجيج المفتعل حول إعلان الترشيحات الحزبية وتشكيل اللوائح الإنتخابية.
حالة الإرباك التي تُحيط بالعملية الإنتخابية أصابت تداعياتها كل الأطراف السياسية، وفرملت العديد من التحالفات من جهة، كما ضاعفت من واقع التشرذم والتفتت داخل الصف الواحد، والمنطقة الواحدة، ونسفت العديد من مشاريع «اللائحة الواحدة»، من جهة ثانية.
وإذا أخذنا الواقع الإنتخابي في بيروت نموذجاً للأوضاع السائدة في معظم المناطق، يتبين لنا حجم إنعكاس الوضع السياسي والإجتماعي المتقهقر في البلد على المسار الإنتخابي، وما يسود الشارع البيروتي، في مختلف مناطقه، شرقاً وغرباً، من مناخات الإحباط والمرارة مما وصلت إليه الأمور في سيدة العواصم، وما تعيشه الساحة البيروتية من إنقسامات وتنافسات على مختلف الأصعدة.
لقد راهن البيارتة على تحقيق الحد الأدنى من التنسيق والتعاون بين مختلف المرجعيات السياسية والروحية لتأمين العبور السلس إلى مرحلة الإنتخابات، إذا لم يكن بلائحة واحدة، والكل يدرك إستحالة ذلك، فعلى الأقل التوصل إلى لوائح مشتركة بين أبناء الخط السياسي الواحد، وخاصة بالنسبة لخط الحريرية السياسية.
وأدى إستنكاف المرجعية الروحية عن لمّ الشمل، تحت شعار الحرص على عدم التدخل في الإنتخابات، والدخول بمفاضلات بين المرشحين، إلى تفاقم حالة إنعدام الوزن الناتجة عن قرار الرئيس سعد الحريري المتأخر في إعلان تعليق نشاطه السياسي والإنتخابي، وسحب تيار المستقبل ومناصريه من الساحة السياسية، قبل شهرين فقط من موعد الإستحقاق الإنتخابي، الأمر الذي أتاح للمتسللين دخول الحلبة الإنتخابية، وإشعال شرارة السباق بين مجموعات من الطامعين في الوصول إلى جنّة النيابة، بغض النظر عن توفر الكفاءات المطلوبة، وبين قلة من أصحاب الكفاءة والخبرة والإختصاص.
وساعد غياب المشهد الجماعي للمرجعيات السياسية، والذي تمثَّل في السنوات الأخيرة بلقاء رؤساء الحكومات السابقين، على إطلاق ظاهرة التفلُّت من المعايير والمواصفات المطلوبة، لمن يسعى أن يُمثل بيروت تحت قبة البرلمان، ويساهم في الورشة التشريعية والإصلاحية المنتظرة لخروج البلد من دوامة الإنهيارات الراهنة.
وحالت المواقف المتباعدة من مسألة الإنتخابات بين الرئيس فؤاد السنيورة وفريق مقرب من الرئيس سعد الحريري، إلى تعرض مساعي التوافق على لائحة واحدة قوية في بيروت لنيران «صديقة»، أجهضت كل المحاولات بعد جولات من الكر والفر، وبعد صولات من التردد وتقلب المواقف، هدرت الكثير من الجهد، وأضاعت المزيد من الوقت، وفاقمت أجواء الإحباط والمرارة في الوسط البيروتي.
على شاكلة العديد من الدوائر الإنتخابية الأخرى، ساهم تضخم «الأنا»عند المعنيين في طبخات اللوائح، شيباً وشباباً، إلى تفريق الصفوف في بيروت، وبعثرة الأصوات، وتغليب المصالح الأنانية على الحسابات الإنتخابية الموضوعية، وتعدد اللوائح التي تأكل من صحن واحد، دون الأخذ بعين الإعتبار، بشكل كافٍ، القواعد التي يفرضها قانون الإنتخابات الهجين الحالي، والذي يجعل من المرشحين، أعضاء اللائحة الواحدة أعداءً لبعضهم بعضاً بمجرد التوقيع والإلتزام بخوض المعركة الإنتخابية معاً.
أحد أبرز أهداف مساعي التوصل إلى لائحة واحدة قوية في بيروت، هو الحفاظ على تمثيل إرادة بيروت الوطنية والعروبية، والمتمسكة بقيام الدولة القادرة على إستعادة إستقرار البلد وإزدهاره، وإعادته إلى الخريطة العربية والدولية، وتحقيق التغيير المنشود في البنية السياسية، وتشجيع الناخبين على المشاركة والتصويت في صناديق الإقتراع. في حين أن تفرقة الصفوف تؤدي إلى تخفيف الإقبال على التصويت، وإلى تخفيض نسبة الإقتراع، وبالتالي خفض معدل الحواصل لمصلحة اللوائح المنافسة من فريق الممانعة، وكل ذلك على حساب خيارات العروبة والإلتزام بقيام الدولة القادرة.
لا داعي للخوض في تفاصيل الخلافات، ولا الإصرار على تصفية الحسابات، الشخصية أو السياسية، فوضع البلد، في بيروت والمناطق الأخرى، من الدقة والخطورة ما يتطلب تضافر كل الجهود، وتجميع الإرادات الوطنية للخروج بلبنان من مهاوي جهنم إلى رحاب الأمن الإجتماعي والتعافي الإقتصادي.
بيروت تُناديكم، ناخبين ومرشحين، للإرتفاع فوق مستوى الزواريب السياسية، والإقبال بكثافة على صناديق الإقتراع لتصحيح المعادلة الداخلية، وتحويل هذه الأزمة المريرة التي يتخبط فيها الوطن إلى فرصة وطنية للتغيير، والولوج إلى مرحلة الإصلاح الحقيقي والإنقاذ الفعلي.