IMLebanon

الهرب غير المسؤول إلى دنيا الافتراضات الخيالية

 

مشكورة… تلك الجهود التي بذلت على مدى الأيام السابقة التي التهبت فيها الأوضاع إلى حدِّ الكسر والخلع والتخريب وضرب السلم الأهلي في مواقعه الأكثر حساسية وايلاما وإصابة موجعة طاولت أملاك المواطنين ومتاجرهم المتوقفة بغالبيتها الكبرى عن العمل. مشكورون كل أولئك الذين تحمسوا لضبط الأوضاع وايقافها عند الحدود شديدة الخطورة التي وصلت إليها بعد توغل مقصود ومخطط له من قبل جهات معروفة وموصوفة، وذلك في صلب مظاهرات سلمية ومطالب منطلقة من منابع الجوع والحاجة الماسة والعجز عن تأمين أدنى الحاجات الحياتية.

 

مشكورون جميع أولئك الذين سارعوا إلى لملمة ما أمكن من تلك الأوضاع الشاذة التي بالرغم من شيوع الفوضى والمظاهرات الملتهبة في شتى مناطق هذا البلد المنكوب، فإن الجهات المتفلّتة التي حطّمت وخرّبت بكل وسائل الإيذاء والحقد الدفين كثيرا من مواقع العاصمة الأساسية، واتخذت من حجارة أبنيتها الخاصة والعامة المقلوعة من أماكن وجودها، وسائل للكسر والخلع والتدمير، وإلقائها على رجال الأمن، والولوج إلى المحلات والمتاجر وتخريبها واخراج موجوداتها إلى الشوارع مفتعلة فيها كل وسائل الحرق والتمزيق وإلقاء مستنداتها المهنية والتجارية في الطرقات إمعانا في ايقاع الأذى وتعميق الوجع، من هنا يُشكر كل من ساهم في لملمة الفلتان والغليان الذي سببه دخول أعداد من الخارجين عن القانون وعن الانضباط الوطني الذي تفرضه ظروف هذه الأيام غير المسبوقة في مدى ما تسببه للمواطنين المسالمين الذين لحق بهم كل أنواع الأذى والتدهور المعيشي. يكفي هؤلاء، سواء كانوا منغمسين في أعمال التظاهر السلمي، أم من المتضررين من أعمال الشغب التي طاولتهم، يكفيهم شرّ الأوضاع المتدهورة والمصاعب الاقتصادية والمعيشية التي تتكثف وتتزايد في أعدادها وفي مطاولتها لجميع المواطنين بكافة شرائحهم وتصنيفاتهم، خاصة بعد أن أصبح «المحظوظون» منهم، «كونهم يشغلون وظائف في القطاعين العام والخاص»، وبعد أن كان دخلهم يقيهم أوجاع الحاجة الموجعة، فهاهم وقد باتت تتهاوى رواتبهم مع تدهور سعر العملة اللبنانية إلى هذه الدرجات المخيفة، قد أصبحوا في عداد المواطنين القريبين إلى الانتماء إلى طبقة وسطى غادرت مرتبة الوسطية وأضحت في مضمار المراتب الدنيا التي تشكو من القهر والمعاناة.

 

وها هي بيروت، عاصمة هذا البلد التي تعرضت في الأيام المنصرمة إلى جملة من الاعتداءات والمكاره من جهات أقحمت نفسها في إطارات الثورة والثوار، وتمنطقت بوسائل التخريب والتدمير وتشويه ما تبقى من صور العاصمة المضيئة والوضاءة، عن سابق تصور وتصميم، وهي قد قامت بهذه المهمة المشبوهة في أكثر من مرحلة سابقة، والغريب في هذه الواقعة المؤسفة التي ملأت مشاهدها شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام كافة، وكانت وجوه المرتكبين لجرائمها واضحة بطلّات «بهية» معروفة من السلطات الإدارية والأمنية كافة، وكالعادة…

 

هؤلاء المخربون لم يلقوا من رجال الأمن ومن أصحاب القرار والتنفيذ أية مساءلة وأي اتهام وأي محاولة ردع حماية لأملاك المواطنين وموارد رزقهم، ولبثت درّاجاتهم النارية تجوب الساحات معملة فيها كل أنواع الترهيب والتخريب، والتعدي على مواقع ومؤسسات العاصمة الحساسة وكأن شيئا لم يكن، اللهم الاّ وقائع انتهاك أملاك الدولة وأملاك المواطنين الأبرياء والمصابين في وسائل عيشهم وأرزاقهم مثلهم تماما مثل جموع الثوار الحقيقيين الذين باتوا مكسر عصا من جموع دفع بها إلى افتعال هذه الممارسات التي تطاول مصالح العاصمة وأهلها وتعمد إلى إلحاق الأذى بها وبكرامتها بشتى أساليب المخالفة المؤسفة للطرق الحضارية التي يتعامل بها ابناؤها مع جميع المقيمين في أرجائها ومناطقها وضواحيها.

 

وبعد أن طفح الكيل من هذه الممارسات، عمدت المراجع المسؤولة عن أعمالها المتفلتة، إلى محاولة كبح جماح أولئك الذين أطلقتهم، عن مزيد من أعمال الإيذاء والتخريب، صونا لما تبقى من سمعة حسنة تحيط بتلك الأوساط المحرّضة والموجهة، سعيا إلى تجنيب البلاد والعباد جملة من مخاطر الانفجارات العامة التي من شأنها لو أُثيرت وانطلقت، أن تدفع بنا قولا وفعلا الى قعرٍ لا مستقرّ له، وأخطارٍ لا حدود لها، والى إلحاق الأذى الممنهج والرهيب، بأسس وجود هذا الوطن واستقراره وسلامة أراضيه ومصالحه.

 

مخيفٌ ما حل بالعاصمة وأهلها وبعدد من المناطق والمدن والقرى الممتدة على المدى اللبناني كله، وذلك في الأيام القليلة التي مضت وأفلت فيها الملقّ العام من أي ضابط، وإن التخريب في قلب الوطن إذا ما أطلقت أظافره في الجسد الوطني المضرّج أساسا بالدماء والمآسي والتدهور هو خراب يطاول الجميع، كبارا وصغارا، بما فيه خراب سيصيب بالنتيجة، الممسكين بمقاليد السلطة التخريبية السائدة. وقى الله الوطن، وقى الله بيروت، العاصمة المقصودة الأساسية بالترهيب والتخريب.