IMLebanon

بيروت – عمان: تناقضات أزمة الرهائن

تعامل الحكومتين الأردنية واللبنانية في ملف أزمة الرهائن يطرح نفسه للمقارنة والتماثل تلقائياً. ثمّة مفارقات في أداء لبنان وأداء الأُردن في التعامل مع أزمة المخطوفين.

بعد الجريمة التي ارتكبتها «داعش» بحرق الطيار الاردني معاذ الكساسبة، تحركت السلطات الاردنية سريعاً بردّ فعلٍ سياسي وميداني تمثّل في إعدام اثنين من «الدواعش» قبل بزوغ الفجر التالي للجريمة البربرية.

هذا التحرّك الاردني فرض نفسه على ملف المخطوفين اللبنانيين من العسكريين، وبدت المقارنة بين أداء عمّان وأداء بيروت حيال قضية متشابهة منطقية، على قاعدة «الشيء بالشيء يذكر».

منذ لحظة الاعلان عن قتل الطيار الاردني، إتخذت السلطات اجراءات وحّدت الشعب الاردني، وساعدت على تجاوز محاولات الارهابيين زرع الشقاق، وإتخذت خطوات وفّرت حاضنة شعبية لأهل الطيار الكساسبة، وتزامن ذلك مع تحرك الدولة سريعاً من أعلى سلطاتها الى كلّ المستويات للإهتمام بالقضية ومنع «داعش» من الاستثمار في الجريمة داخل الأردن وبين المجتمع والدولة.

وفي مقابل إعدام السلطات الاردنية شخصين محكومين قضائياً، تضغط في بيروت جهات وأطراف سياسية في الحكومة لعدم تنفيذ أحكام قضائية، بل وتعد بالافراج عن الارهابيين وذلك إرضاءً للخاطفين ووقوفاً عند خاطرهم.

الاستجابة المستهجنة لمطالب الارهابيين بلا ثمن، وإطلاق الوعود بالافراج عن مسجونين محكومين ومن بينهم ارهابيون موصوفون اعترفوا بإعداد تفجيرات وتنفيذها في الضاحية وغيرها، جعل الجهات الخاطفة تطمع بلبنان، وتتعامل مع اللبنانيين على أنهم بلا ثمن، وأصبح المخطوفون مجرد أرقام يوضعون على مقصلة الذبح بطريقة ابتزازية: «مَن سيدفع الثمن»…

طريقة تعاطي البعض، وتوصيف «جبهة النصرة» بأوصاف لا تشبهها، واعتبارها جهة سورية «معتدلة» ويمكن الحديث معها، وأنها من «الجبهات الثورية وتمثل طموحات الشعب السوري»، جعلت اميرها في القلمون ابو مالك التلة شخصية سياسية تكاد تصبح محلية وتأمر وتنهى وتعطي الاوامر وتصدر القرارات وتملي الشروط.

من الامثلة على إقدام بعض اللبنانيين على إلباس «جبهة النصرة» ما لا تدّعيه لنفسها، إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق انّ «داعش» نفذت جريمة جبل محسن المزدوجة، في حين أنّ «النصرة» تبنّت العملية الارهابية وأعلنت عن أسماء منفّذيها!! وللعلم فإنّ «جبهة النصرة» هي الفرع الشامي لتنظيم «القاعدة»، وزعيمها ابو محمد الجولاني بايع ايمن الظواهري بعد انتقاله من العراق الى سوريا وتأسيس الجبهة عام 2012.

أمام هذا الأداء السيّئ، والتخبّط والتعامل الدوني وتعدّد الجهات التي تتواصل مع الخاطفين، مرت الايام ولم يقم لبنان بأيّ إجراء قانوني وقضائي يساعد الجهة التي تتفاوض على تحسين شروطها.

لو أقدمت الدولة على إعدام المحكومين الخمسة من «فتح الإسلام» فوراً بعيد إعدام الجندي الشهيد علي السيد، لكانت استطاعت أن تحمي العسكريين المبتقين وتمنع عنهم القتل، وربما كنا اليوم أمام نهايات مختلفة لتلك القضية.

في الإمكان الاستفادة من أوراق القوة التي يتمتع بها لبنان لجعل عملية التفاوض تتمّ بلا تنازلات غير ضرورية. لسنا أضعف من الاردن، وليسوا أقوى من «دواعش» الرقة، وإذا كان لدى البعض حسابات سياسية تجعله «يتسامح» مع الارهابيين، أو يحاول تبييض صفحاتهم، فينبغي ألّا يتمّ ذلك على حساب الدولة وهيبتها واللبنانيين وكرامتهم، والمخطوفين ومصيرهم.

هذا ملف يدخل في صلب الامن القومي ولا ينبغي أن يتعامل معه البعض على الطريقة اللبنانية التقليدية، ومنطق المساومات والتسويات المذِلّة. والاسوأ في كلّ ذلك أنّ هذا «البعض» لا ينفق من كرامته او هيبته او رصيده الشعبي، بل ينفق من كرامة العسكر، وهيبة المؤسسات، وصورة الدولة المهترئة بسبب عقليات ترفض حتى الآن الاعتراف بأنّ لبنان في عين العاصفة، وأنه هدف دائم للارهاب.