Site icon IMLebanon

خطة بيروت والضاحية قبل نهاية نيسان.. ولا تساهل في تدابير طريق المطار

حين يتمّ التحدث عن استحقاقات داهمة تتجه الأنظار تلقائياً صوب جرود عرسال والقلمون والتلال الإستراتيجية في جرود رأس بعلبك. عمليات الإغارة المفاجئة والوقائية شبه اليومية التي ينفّذها الجيش في الجرود ضد المجموعات الإرهابية توحي باستعداد غير مسبوق لمرحلة يرى البعض انها «قد تكون مصيرية».

عملياً، تبدو الضاحية الجنوبية في خلفية الصورة تماماً. وفق أوساط أمنية، وهذا ما يفسّر ربما التأجيل المستمر لخطةٍ «فيروسها» الوحيد هو نفسه الذي «التقطته» منطقة البقاع: الترويج الدعائي والمنظّم لخطة أمنية يسمح لكل المرتكبين وأصحاب السوابق وتجار الممنوعات والمخلّين بالأمن بضبضبة أمتعتهم «على رواق» والهروب من خارج منطقة العمليات، او البقاء على استعداد للهروب حين يحين أوان تنفيذ الخطة!

بالتأكيد سيختلف المشهد كثيراً مع بدء تنفيذ الخطة عن تاريخ 23 أيلول 2013 حين كسر وزير الداخلية السابق مروان شربل عقدة دخول «الشرعية» الى الضاحية، مع انتشار نحو 1200 عنصر من قوى الامن الداخلي والجيش والامن العام، وبمواكبة شخصية على الارض من شربل ومدير عام قوى الامن الداخلي آنذاك اللواء اشرف ريفي.

الخطوط المفتوحة آنذاك بين مسؤول لجنة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» الحاج وفيق صفا واللواء ريفي كانت حاضرة بقوة الأمر الواقع الذي كان يفرض تنسيق الحدّ الادنى بين الطرفين. بعدها أتت التفجيرات الانتحارية في عمق الضاحية لتدخل الجميع في مرحلة استدعت عدّة شغل جديدة لم تأخذ ملامحها الجدّية والثابتة الا مع ولادة حكومة تمام سلام الوفاقية.

تأجيل وراء تأجيل.. لكن الخطة الأمنية لبيروت والضاحية «آتية حكماً». ويقول وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ «السفير» إنها «ستحصل قبل نهاية نيسان الحالي». عملياً، واجهت هذه الخطة العقبة نفسها التي واجهت خطة البقاع سابقاً. هل يتمّ الركون الى خيار الخطة الأمنية (عمل امني استباقي ومداهمات مفاجئة بناءً على معلومات من دون إنذار مسبق) ام الخطة العسكرية تحت عنوان أمني وعندها تكون محدّدة بالمكان والزمان؟.

يفترض بمجلس الأمن المركزي أن يحدد أبرز ملامح ومواعيد الخطة النهائية في جلسته المقررة غداً في وزارة الداخلية برئاسة المشنوق وبحضور قادة الأجهزة الأمنية. اللافت للانتباه، عشية تحديد موعد الخطة، ما شهده طريق مطار بيروت الدولي من إنجاز أمني غير مسبوق، حيث أعطى المشنوق تعليماته في اليومين الماضيين لقوى الأمن الداخلي بالتنسيق مع الجيش لإلقاء القبض على عصابات سرقة السيارات والمواطنين التي صارت تستبيح هذا الشريان الحيوي بشكل دوري.

فقد نفذت القوى الأمنية، بالتنسيق السياسي مع «حزب الله» و»أمل» سلسلة ملاحقات ومداهمات أدت إلى إلقاء القبض على أكثر من دزينتين من المطلوبين بينهم أحد رموز هذه العصابات، وتستمر ملاحقة آخرين بينهم رمزان لن يتم التساهل معهما، وسيلقى القبض عليهما حييْن أو ميتيْن على حد تعبير مصادر أمنية واسعة الاطلاع.

وبحسب وزير الداخلية لا يمكن التساهل مع أي محاولة للإخلال بالأمن، خصوصاً على طريق المطار، لأنه يمثل عنوان ثقة بالبلد، فمن يريد من الزائرين العرب أو الأجانب الاستثمار أو السياحة، ممره الالزامي هو مطار بيروت ومن ثم طريق المطار.

في البقاع، اثبتت التجربة ان «الاستعراض» الذي يسبق اي عمل أمني لا يأتي بالرؤوس المطلوبة. وربما تكون جريمة بتدعي (تمّت إحالتها الى المجلس العدلي) التي ذهب ضحيتها صبحي ونديمة الفخري خير دليل على ذلك. هي الجريمة نفسها التي أعاقت استكمال الخطة الى حين ضخّها مجدداً بالدعم المطلوب من خلال الزيارة التي قام بها المشنوق في منتصف شباط الماضي، يرافقه مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، الى بريتال، بالتزامن مع استئناف تنفيذ خطة البقاع في توقيت فرض على العسكر التحرّك والملاحقة وإجراء المداهمات في ظروف مناخية صعبة جداً وسط الثلوج والصقيع ودرجات الحرارة المتدنية تحت الصفر.

«زبدة» الزيارة الاولى لوزير الداخلية الى البقاع تُرجِمت في أمرين: الأول، تراجعه عن خطأ ارتكبه، كما قال، حين أطلق على النبي شيت والشراونة وبريتال وعرسال توصيف «مربع الموت»، معتبراً ان كلامه كان «خاطئاً وظالماً». الامر الثاني، مجاهرته بأن «كبار المطلوبين هربوا الى سوريا، ولكن الخطة الأمنية هي لمنعهم من العودة»!.

يعوّل وزير الداخلية كثيراً على الدعم السياسي الذي حسمه رئيس مجلس النواب نبيه بري منذ اللحظة الأولى، وهو صار يسير أمام الجميع في خيار الوصول الى كل المطلوبين في البقاع.

وكما في البقاع، كذلك في الضاحية. المعنيون يتداولون في تحديد الساعة الصفر لانطلاق خطة الضاحية وبيروت في خطة عسكرية ستكون معروفة التوقيت سلفاً. سيأتي ذلك بعد تراجع عن خطأ آخر ارتكبه وزير الداخلية، برأي «المستقبليين»، حين اعتبر ان الخطة الأمنية في الضاحية هي جزء من الإستراتيجية الدفاعية. موقف المشنوق أثار حنق قيادات «التيار الأزرق» وسخطهم، فتراجع عن موقفه واعداً بخطة قريبة.

في توزع منظّم للصلاحيات والأدوار بين الجيش وقوى الامن والامن العام، يفترض ان تجد الخطة الامنية في الضاحية وبيروت طريقها الى التنفيذ قبل نهاية نيسان، حيث سيصار الى إقامة المزيد من الحواجز الدائمة والثابتة والدوريات والمداهمات والملاحقات بتهم السرقات، والاحتيال، وفرض الخوات، والمخدّرات، والدعارة، والسلاح الفردي… فيما لم يعرف إذا كانت السنترالات غير الشرعية ستدخل ضمن إطار خطة الضاحية.

«حزب الله» رفع الغطاء عن الجميع، بحيث ستكون هناك استحالة لأي مطلوب بأي جرم أن يتلطّى بعباءة الحزب أو يختبئ في أحد مقاره!.

مع ذلك تكتسب الضاحية خصوصية أمنية لا يمكن لأي من الجالسين على طاولة عين التينة او مجلس الامن المركزي او مجلس الوزراء تجاوزها. وإذا كان من المسلّم به أنه لن تكون هناك جولات لنزع الصور واللافتات والشعارات الحزبية في «ملعب المقاومة»، فإن بقعاً عدّة في الضاحية الجنوبية تصنّف نقاطاً أمنية حسّاسة لـ «حزب الله» تدخل ضمن إطار منظومة عمله تسقط معها فرضية التنازل عن «أسرار عسكرية» كرمى لعين التنسيق الأمني.

وبالتأكيد، فإن النيات الحسنة على طاولة الحوار شيء وأمن الحزب شيء آخر. «حزب الله» جاهز للتعاون من أجل تسليم أي مطلوب، خصوصاً أن حِمل «مربعات» العشائر والعائلات الحاكمة بأمرها صار ثقيلاً جداً عليه ومن مصلحته التخلّص منه (تجربة نزول بعض العائلات والعشائر مؤخراً الى شوارع برج البراجنة واستعراض السلاح الثقيل في الطرق، كاد يؤدي الى مجزرة هناك).

وعملياً، لا يمكن فصل الحديث عن الخطة الامنية عما روّج مؤخراً عن عودة محتملة للاغتيالات والتفجيرات، وهو أمر أشار إليه صراحة وزير الداخلية. «حزب الله» من جانبه لا يزال مستنفراً من أجل منع اي محاولة لاختراق أمنه وأمن جمهوره، كذلك وحدات الجيش وحواجزه المنتشرة على تخوم الضاحية في الداخل. الخطة الامنية برأي كثيرين ليست أمراً طارئاً على «أجندة» القيادات الامنية. النصيحة لا تزال هي نفسها: انظروا الى فوق وليس الى تحت.