IMLebanon

بيروت منزوعة الصور : ماذا عن السياسيين – الصور؟

بؤس السياسة في لبنان رأسمال حتى في المظهر. فليس في بلدان الأنظمة الديمقراطية شوارع مملوءة بصور السياسيين. وليس في بلدان الأنظمة الشمولية سوى شوارع مملوءة بالصور والتماثيل، ولكنها لشخص واحد هو الأخ الأكبر الحاكم الفرد الذي يراقب الجميع. أما لبنان، فإنه يجمع سلبيات النظامين ويوظفها في اللادولة: يأخذ من الشمولية ثقافة الصور، ويمارس من الديقمراطية تعددية الصور. فإذا هو غابة شعارات حزبية وصور لزعماء ورؤساء أحزاب وأشباه زعماء ورجال دين أحياء وموتى. لا بل ان صور زعماء لبلدان في الاقليم وحتى في العالم لها أمكنة في الشوارع والساحات والشرفات. كله باستثناء الصورة المطلوبة والغائبة لرئيس الجمهورية.

الآن يبدو التفاهم بين حزب الله وتيار المستقبل على نزع الصور والشعارات من بيروت وطربلس وصيدا كأنه انجاز كبير. فما قاد الى الحوار بينهما هو الخوف من الفتنة وليس الرهان على بناء دولة. وما قاد اليه الحوار، حتى الآن، هو البحث في خفض الاحتقان المذهبي، ما دامت المواضيع الكبيرة المختلف عليها خارج جدول الأعمال. وحين يصعب اي تغيير في السياسات التي هي من اسباب الاحتقان، وتكون المطالبات بنزع الأسلحة في بيروت وطرابلس ذكرى محكومة بضرورة النسيان، فإن الشكل يصبح البديل من المضمون.

ولا بأس. فما فرضه علينا الواقع هو خفض التوقعات. وما صار من الأحلام هو ان نرى بيروت وطرابلس وصيدا منزوعة السلاح. ولكن السؤال هو: هل يحدث هذا بالفعل وبشكل كامل أم ينطبق عليه المثل الفرنسي القائل أجمل من أن يكون حقيقة؟ زعماء بلا صور وأحزاب وتيارات بلا شعاراته على الجدران؟ أعجوبة يصعب تصديقها. أليست قوة الزعيم في صورته، وقوة الحزب في شعارات، على طريقة الشعار القديم الذي دفعنا ثمنه غالياً وهو: قوة لبنان في ضعفه؟ كيف نعرف أي شارع أو زاروب أو حيّ يدين بالولاء لهذا الزعيم أو ذاك، اذا خلت الشوارع والشرفات وأعمدة الكهرباء والهاتف من الصور؟ وهل يراد لنا عملياً أن نستعيد بيروت وطرابلس وصيدا التي لم نعد نعرفها، ونعود للعيش في مدن نظيفة والسير في شوارع نفضت عنها ما شوّه جمالها من صور وشعارات؟

من حسن الحظ ان لبنان لم يدخل بعد في سجل البلدان العربية التي صارت تُنسب الى شخص أو عائلة. ومن المكرمات أن تستعيد العاصمة وجهها بعدما كثرت الأقنعة والصور. ولكن كيف الخلاص من رجال سياسة هم، على الغالب مع استثناءات محددة، مجرد صور ناطقة بأسماء عواصم أخرى ومواقفها والسياسات ولو كانت ضد لبنان أو على حساب الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والأمني والنشاط الاقتصادي؟