تتواضع قوى ١٤ آذار في طموحاتها وتطلعاتها من بيروت منزوعة السلاح كخطوة تمهيدية نحو لبنان منزوع السلاح، إلى بيروت منزوعة من الشعارات الحزبية.
الخطأ الشكلي الذي وقع فيه «المستقبل» طالما أنّ قرار الحوار متخذ، يتمثّل في أمرين:
الأمر الأول، تغييب الصورة عن اللقاءات، خصوصاً أنّ تنفيس الاحتقان الذي تحت رايته عقد الحوار تشكّل الصورة جزءاً أساسياً منه. وبالتالي، تغييب هذه الصورة لا يساعد في تبريد الأجواء، إذ يكفي أن يرى الشارع مشهد المتحاورين في حوارات جانبية وعامة ليتنفس الصعداء.
والتبرير الذي أعطي في التسريب والكواليس، بأنّ «حزب الله» بحاجة للصورة كونها توفّر له الغطاء الذي يريد، لم يقنع أحداً، لأنّ التئام الحوار يشكل بحدّ نفسه الغطاء الذي كان يسعى إليه الحزب، فيما الصورة هي «زيت على زيتون». وبالتالي، الذي يرفض منح الحزب هذا الغطاء يرفض الحوار من أساسه.
الأمر الثاني، تحييد القضايا الأساسية عن النقاش، وقد أعطى هذا التحييد انطباعاً سيئاً بأنّ اهتمامات السنّة في لبنان البحث في نزع الشعارات الحزبية، فيما اهتمامات الشيعة تبدأ بالبحرين واليمن ولا تنتهي بإسقاط «المؤامرة الدولية» في سوريا وإزالة إسرائيل من الوجود، فيما كان بالإمكان البحث في هذه القضايا على غرار البحث الذي تمّ في الاستراتيجية الدفاعية واستغرق سنوات وسنوات. فالبحث في القضايا الخلافية يضع الطرفين في المنزلة نفسها، وكلّ ما يمكن تحقيقه على الطريق من ملفات جانبية يصبّ عندذاك في رصيد هذا الحوار.
فيجب تصحيح هذا الخلل من خلال إعادة الاعتبار للصورة، كما تبديد الانطباع الذي نجح «حزب الله» في تسويقه بأنّ القضايا الأساسية ممنوع بحثها، الأمر الذي حوّل مناقشة المواقف التي أطلقها السيّد حسن نصرالله إلى حدث سياسي وتحوُّل في مسار الحوار، فيما وظيفة هذا الحوار يجب أن تكون بسيطة ومبسّطة من دون عقد وتعقيدات، أي كناية عن آلية تواصل سياسية تشرِّح كل الملفات الكبرى والصغرى وتسعى ما في وسعها لتحقيق اختراقات ولَو جزئية.
وإذا كانت الحلول في بعض الملفات مستحيلة، فلا يعني عدم مقاربتها، فضلاً عن أنّ إعطاء هذا الانطباع للشارع يرتدّ سلباً على الحوار، فيما يستحسن تركه مفتوحاً من دون ممنوعات تسيء للحوار و»المستقبل» معاً، والتركيز على ما يمكن تحقيقه. وبالتالي، إذا كان لا بد من الحوار، فلا بد من إعادة النظر بقواعده ومنطلقاته.
وفي المقابل هناك دائماً من يبسِّط الأمور على طريقة «عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة»، بمعنى معالجة ما يمكن معالجته اليوم وترحيل القضايا المستعصية إلى مرحلة وظروف أخرى، لأنه لا يجوز تعليق الحياة كلها إذا كان ثمّة قضية غير قابلة للحل. وفي هذا السياق يجب الإقرار أنّ هناك قضايا غير قابلة للحلّ اليوم.
وبالتالي، يجب تسهيل حياة الناس وتسييرها من خلال القفز فوق القضايا الشائكة بانتظار الظروف المناسبة، إلّا إذا كان المطلوب الاستمرار في مواجهة من دون أفق، مع كل انعكاساتها وتداعياتها وسلبياتها.
وإذا كان ما تقدّم صحيحاً في ظل وجود قرار للحوار، بمعزل عن صوابه أم خطئه، إلّا أنّ الأصح هو تصويب مساره واتجاهه وجعله إطاراً مفتوحاً على كل المواضيع والملفات، لأنّ الاستمرار على هذا المنوال سيجعل أيّ إنجاز صغيراً، خصوصاً أنّ الصورة الأساسية التي تجمع الحزب و«المستقبل» موجودة في مجلس الوزراء، والحوار يجب أن يكون مفتوحاً.
ويبقى انّ المرحلة قضَت بأن تقزِّم ١٤ آذار طموحاتها من بيروت منزوعة السلاح إلى بيروت منزوعة الشعارات، إلّا أنّ كل الأمل في أن تستعيد هذه الحركة ثقتها بنفسها وقدرات ناسها من أجل العودة إلى العناوين الكبرى.