رسَت الترشيحات في دائرة «بيروت الثانية» على 118 مرشحاً ومرشحة، للتنافس على 11 مقعداً (6 سنّة، 2 شيعة، 1 إنجيلي، 1 درزي، 1 روم أرثوذكس)، فيما توزّع المرشحون وفقَ الطوائف: 69 سنّة، 17 شيعة، 12 دروز، 11 إنجيليين، 9 روم أرثوذكس). ولم يكُن المشهد الانتخابي يوماً أصعب ممّا هو عليه اليوم في دائرة بلغَ عدد ناخبيها عام 2018 حوالي 365.147 ناخباً، اقترع أقل من نصفهم (147.801). يومها كان تيار المُستقبل لا يزال حاضراً في العاصمة رُغمَ كل الانتكاسات التي مُنيَ بها شعبياً وتنظيمياً ومالياً، لكن مشاركته في الاستحقاق كانت بمثابة بوصلة للصوت السني الذي يفقِد التزامه هذا العام مع انسحاب الحريري من المشهد الانتخابي.
شكّل غياب المُستقبل عن الانتخابات المقبلة عنصر إرباك للجميع، خصوصاً أنه أتى في ظلّ عوامل دولية وإقليمية وداخلية حساسة، يسعى فيها كل طرف إلى إثبات موقعه وقدرته على البقاء. وزادَ هذا الأمر من شعور المكوّن السني باختلال التوازن والانهزامية، في غياب أي بديل من شأنه فرض خيارات متوازنة مع المكونات الأخرى والتخفيف من وطأة الإحساس العام بالانكسار، فبات هذا المكون يعتبر أنه مُستفرَد به ومُستباح. يقول أصحاب هذا الرأي، أن «الوضعية السنية المنهارة في المنطقة لا يُمكِن ترميمها من لبنان»، لذا فإن «التخبّط والإحباط يطغيان على العاملين في المجال السياسي، حتى لو أن بعضهم اختار خوض المعركة، كما فعل الرئيس فؤاد السنيورة وغيره». لكنهم، جميعاً، لا يجدون سوى شعار «استباحة حزب الله للعاصمة ومحاولته رفع عدد نواب سنّة محور الممانعة إلى 12 نائباً، وهو شعار مستهلك يدغدِغ المشاعر الطائفية لكنه لا يُحييها». هذا الواقع انسحب تخبطاً إن كانَ لجهة الترشيحات أو التحالفات.
سنّياً، يتصدّر المشهد الرئيس فؤاد السنيورة الذي أعلنَ عزوفه عن الترشح لكنه يُشرِف على تأليف لائحة ترِث مقاعد تيار المستقبل. إلا أن الحركة التي يقودها لا تزال حتى الآن مقيّدة بحدّين: خارجي يتمثّل بفقدان المظلة الإقليمية (حركته تلقى استحساناً سعودياً لا دعماً، والموقف سيكون بعد الانتخابات بناء على ما يُمكن أن يحققه)، وداخلي بفعل المُعارضة الشرسة التي يقودها الحريري ضد السنيورة في العاصمة وغيرها، علماً أن النائب السابق غطاس خوري ومستشار الحريري هاني حمود زارا السنيورة أخيراً وأكدا أن المستقبل لا يدعم نشاطه لكنه لا يحاربه، وهو ما تنافيه الحركة التي يقوم بها أحمد الحريري وأحمد هاشمية لتقويض الرجل في العاصمة. والدليل أن السنيورة لا يزال يعاني في تأليف لائحة مكتملة، وفي صياغة تحالفات جدية حتى مع العائلات البيروتية، فضلاً عن أن الأسماء المرشحة تشي بأن اللوائح لن تكون ذات ثقل، الأمر الذي سيدفع الناخبين السّنة إلى حجب أصواتهم.
حتى الآن، يجري التحضير لست لوائح في بيروت الثانية، هي: لائحة ثنائي حزب الله – حركة أمل والتيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي (لا يزال التفاوض متعثراً مع المرشحين السنة)، لائحة «جمعية المشاريع الإسلامية – الأحباش» (لم تنسج تحالفاً مع أحد حتى الآن)، لائحة النائب فؤاد مخزومي (يجد صعوبة في إقناع مستقلين بالتحالف معه خصوصاً من مجموعات الثورة، ومن العائلات)، لائحة المجتمع المدني الذي لم تتفق مجموعاته على لائحة ائتلافية واحدة بسبب التباينات والـ «إيغو» المتحكم بمفاصل المفاوضات، فضلاً عن لائحة يجري العمل عليها ستضم كلاً من الجماعة الإسلامية ورئيس نادي الأنصار نبيل بدر. وفي هذا الإطار علمت «الأخبار» أن الجماعة اشترطت على السنيورة ضم بدر إلى اللائحة بعدما اتفقت معه على خوض الاستحقاق سوياً، إلا أن اللائحة التي يُشرف عليها السنيورة «تدرس الأمر». وبعدَ انسحاب عدد من الأسماء من بينها منى فياض (لأسباب عائلية)، فإن الأسماء المحسومة حتى الآن هي: خالد قباني، ماجد دمشقية، لينا تنير، فيصل الصايغ (عن الحزب الاشتراكي)، ميشال فلاح وجورج حداد.
«استباحة حزب الله للعاصمة» صارَ شعاراً مستهلكاً
أما بالنسبة للعائلات، فقد علمت «الأخبار» أن عائلة المصري (ثاني أكبر العائلات على مستوى التصويت وتضم حوالي 7000 صوت) خرجت من اتحاد العائلات البيروتية ولن تشارك في الانتخابات التزاماً بقرار الحريري، وأن المرشحة زينة المصري لا تحظى برضى العائلة. أما بالنسبة لآل العيتاني، فكانت الخيارات تتمحور بينَ عماد عيتاني (نُصِح بعدم الترشح لارتباطه بأعمال في دولة الإمارات فخرج من المنافسة)، والمنسق العام السابق لتيار المستقبل في بيروت بشير عيتاني. ورغم الدعم الذي يحظى به الأخير من العائلة، إلا أن المقربين من السنيورة يعتبرون أن «هناك كثيراً من علامات الاستفهام حول عمله في التيار سابقاً»، مشيرين إلى «مفاوضات تجري مع المهندس نبيل عبد الحفيظ عيتاني» (مدير «إيدال» سابقاً).
وتقول مصادر مواكبة للتحضيرات الانتخابية في العاصمة إن الأجواء حتى الآن تؤشر إلى أن مستوى الاقتراع عند المكون السني سيكون متدنياً، ما يؤكد أن الحريري، رغم كل السقطات والتراجعات لا يزال الأول على مستوى التمثيل، مشيرة إلى أن «اللافت هو النأي بالنفس الذي تمارسه دار الفتوى التي تؤكد أمام كل من يزورها بأنها لا تقف طرفاً مع أحد»!