قد لا تختصر دائرة بيروت الأولى معركة مجموعات الحراك في كل لبنان لكنها بالتأكيد تتخذ رمزية خاصة لأكثر من سبب.
ففي هذه الدائرة حقق المجتمع المدني مفاجأته في انتخابات العام 2018 حين خرقت مرشحة حزب «سبعة» بولا يعقوبيان لوائح السلطة مستفيدة من أكثر من عامل مثل تراجع الحاصل الانتخابي والصوت السني.
سرعان ما افترقت يعقوبيان عن «سبعة» قبل أن تنخرط في معركة 17 تشرين منفردة ومعززة حضورها في هذه المعركة لا سيما بعد كارثة انفجار الرابع من آب التي كانت دائرتها المتضررة الأكبر منها، وذلك بعد رفضها من قبل شرائح نزلت الى الشارع باعتبارها جزءا لا يتجزأ من بيئة السلطة تحاول استثمار الحراك الشعبي.
لكن معركة الحراك في شكل عام في هذه الدائرة تشوبها نواقص أهمها انقساماتها وعدم اتفاقها على لائحة موحدة تخوض عبرها المعركة مع «المنظومة» التي من المفترض أنها تشترك في محاربتها.
ففي حال توحيد الجهود كان من الممكن لقوى الاعتراض المدنية، أن تحقق أكثر من الفوز الوحيد المقدر لمقعد يعقوبيان.
تقوم قوى الحراكيين في الدائرة على يعقوبيان وهي جزء من «نداء 13 نيسان» الذي يجمع قوى وشخصيات عديدة منهم «تحالف وطني» الذي تتزعمه يعقوبيان و«بيروت مدينتي» و«لنا» و«الكتلة الوطنية» و«المرصد الشعبي لمحاربة الفساد» و«ثوار بيروت» وغيرهم..
خلافات على المقاعد
وعلى رغم اجتماع «تحالف وطني» و«بيروت مدينتي» في ائتلاف واحد، فإن خلافات على الحصص شابت تحالفهما. فبعد مفاوضات لضم مرشح لمدينتي الى اللائحة التي تتزعمها يعقوبيان، رفعت مدينتي من سقف مطالبها ليصبح ثلاثة مرشحين بدلا من واحد، ما عقّد الأمور ودفع يعقوبيان الى بحث التحالف مع الأمين العام لحركة «مواطنون ومواطنات في دولة» أو «ممفد»، شربل نحاس.
وبحثت يعقوبيان الإختيار بين نحاس و«بيروت مدينتي» ليكون الحليف على لائحة واحدة في المعركة. بالنسبة الى نحاس فهو يترشح عن المقعد الكاثوليكي بعد دراسة طويلة للدائرة التي سيترشح عنها في لبنان حتى اختار هذه الدائرة، ويشير متابعون عن كثب للتحركات الانتخابية إلى أن نحاس لا ينشط في شكل أكثر من عادي في الدائرة وهو لم يمانع بتحالف مع يعقوبيان شرط ترشيح مقعدا آخر في اللائحة إلى جانب مقعده.
أما على صعيد «بيروت مدينتي» فتُتهم بأنها تستثمر إسمها الذي حققته في الانتخابات البلدية العام 2016 وحققت به نتيجة جيدة من دون الفوز حينها كون الانتخابات في ذلك الحين كانت على النظام الأكثري. وهي اليوم تطالب في بيروت الأولى تريد بالمقاعد الأرثوذكسية والكاثوليكية والأقليات..
ad
لكن الأمور تغيرت عن السابق وباتت هذه المجموعة من دون غالبية مؤسسيها ومن دون وزن حقيقي على الأرض، ولكن على رغم ذلك فإنها ترفع السقف ليس فقط في الدائرة بل أيضا وربما الأهم، في دائرة بيروت الثانية، ما جلب لها انتقادات كثيرة من مجموعات الحراك أو المجتمع المدني..
في كل الأحوال بدت المسافة بين يعقوبيان و«بيروت مدينتي» أقرب منها عن تلك التي تفصل «تحالف وطني» عن نحاس المُنتقد بدوره، كما يعقوبيان، بالتصرف كمرجعية في «الثورة» في لبنان.
على أن بيروت الأولى تعتبر باكورة المعارك بالنسبة الى الحراكيين، وهي تتخذ رمزية بما أنها تحتفظ بثقل مسيحي كبير وهي تضم مناطق الأشرفية والمدور والصيفي والرميل، مع وجود أقلية سنية كبيرة وأخرى شيعية أقل وزنا. من هنا رمزيتها المسيحية لا سيما الأرمنية والأخيرة تظفر بنصف المقاعد الثمانية للدائرة التي تتوزع على ثلاثة مقاعد للأرمن الأرثوذكس، مقعد للأرمن الكاثوليك، مقعد أرثوذكسي، مقعد ماروني، مقعد كاثوليكي ومقعد للأقليات.
والحال أن مشهد الأحزاب عامة، وقوى الحكم خاصة، هو في تراجع في هذه الدائرة التي ستدور فيها معركة طاحنة بين «التيار الوطني الحر» و«الطاشناق»، و«القوات اللبنانية»، و«الكتائب».
وبعد أن سجل التيار تراجعا في المراحل السابقة، ها هو يستعيد بعضا من الشرائح فقده قبلاً، خصوصاً أنه حسم تحالفه مع القوة الأرمنية الأكبر، أي «الطاشناق»، ويطمح هذا التحالف للظفر بمقاعد ثلاثة.
من جهتهم يسجل القواتيون، كما «الطاشناق» على كل حال، تراجعا بدورهم وهم جزء من السلطة وعقدوا تحالفات مع بعض أركانها في أكثر من منطقة مثلما غازلوا مراراً أركاناً أخرى غير محبوبة في شارع «الثورة»، وإن كانوا قد ضمنوا المقعد الأرثوذكسي لغسان حاصباني وهم تحالفوا مع حزب «الهانشاك» الأرمني في لائحة غير مكتملة..
ومع عدم قدرة «الكتائب» عن الظفر بأكثر من المقعد الماروني لنديم الجميل، تصبح مهمة الحراكيين أسهل مثلما أنها تفتح الأبواب أمام معركة شيقة لا سيما وأن الخطاب «الثوري» لـ«الكتائب» لم يلق صداه الكافي لدى الشرائح الساخطة على منظومة السلطة.
في كل الأحوال قالت ليلاً مصادر مقربة من يعقوبيان إنها أنهت لائحتها وضمتها إلى جانب ديانا أوهانيان وماغي نانيجيان عن مقاعد الأرمن الأرثوذكس الثلاثة، وعن مقعد الأرمن الكاثوليك برجيت شلبيان، وزياد أبي شاكر، الذي يحصل على تأييد كبير في شارع «الثورة»، عن المقعد الماروني. وانضم إليها زياد عبس الأرثوذكسي وشارل فاخوري الكاثوليكي وسينتيا زرازير أقليات، إلى لائحتها.
وهي حصلت على وعد من قبل منصتي «كلنا إرادة» و»نحو الوطن» لدعمها، علما أن هاتين المنصتين تنتظران تشكيل اللوائح للانخراط بقوة في المعركة مادياً.