بعد ظهور نتائج الانتخابات البلدية في بيروت، يحتاج جميع الأطراف التي شاركت فيها إلى استقراء معطيات النتائج بعقل واعٍ وقلب منفتح، والإجابة على الأسئلة وتحليل الظواهر التالية:
– هل أن استنكاف 80% من البيارتة عن الاقتراع، هو عادة بيروتية متأصّلة، ولماذا؟ هل هو دليل ومؤشّر قرف وتململ من جميع القوى السياسية على اختلافها، أم يعود الى الاقتناع العميق المتأصّل بعدم جدوى المشاركة لاستحالة التغيير؟ هل السبب أنّ نسبة كبيرة منهم في بلاد الاغتراب أو تقطن خارج نطاق بيروت البلدي، ولا تعنيهم خدمات بلدية بيروت، وبالتالي لا تعنيهم المشاركة في الانتخاب؟
– مدى جدّية وإمكانية تنفيذ البرامج الانتخابية المطروحة من قِبل اللوائح المتنافسة، بدءاً بعموميات البعض ووعودهم المطّاطة، مروراً بمثاليات وأحلام البعض الآخر، ووصولاً إلى شيء من واقعية الآخرين.
– ظاهرة نسبة الأصوات التي حصلت عليها اللوائح المنافسة مقارنة باللائحة الفائزة، وقياس حجمها لو أن الانتخابات حصلت وفق قاعدة النسبية، أو لو أن اللوائح المنافسة اتحدت في ما بينها.
– يشعر المسيحيون بأنّهم مغبونون في الحياة السياسية في لبنان، وهامشيون في تشكيل اللوائح، وفي تشكيل الحكومات، وحتى في اختيار رئيس للجمهورية، فلماذا إذن ارتضى قادتهم المشاركة في لائحة ائتلافية اعتبر البعض أنها فُرِضَت عليهم؟
– يُفترض بعد التصرّف المُعيب للأحزاب أن يُعيد الرئيس الحريري النظر بتحالفاته ومواقفه بشكل عام، وبخصوص تأمين المناصفة في بيروت خارج إطار الأحزاب، خاصة لأنّ العمل البلدي تنموي وليس سياسياً، فكيف سيكون الرد، ومتى، وأين؟
– تيار المستقبل كسب معركة مجلس بلدية بيروت، لكنه فعلياً لم يستطع الوصول كما يجب إلى الوجدان البيروتي وقلوب جزء لا يُستهان به من البيارتة.
– توجّه الرئيس الحريري إلى الناخبين الذين أعطوا أصواتهم للوائح أخرى بالقول: «أنتم جزء من نسيج بيروت الاجتماعي والمدني والثقافي والشبابي، وقد قمتم بعمل ديمقراطي مشكور وحافظتم على طبيعة نظامنا السياسي. أنا أرى أنكم تُشبهون أحلامنا وطموحاتنا».
وأضاف: «إنكم تُشبهوننا ولا تُشبهون أبداً الذين حاولوا أن يزايدوا علينا بأصواتكم لهدف واحد: كسر المناصفة و«يمرّكوا» على البيارتة وبيروت وعلى إرادتها السياسية». وهذا كلام كبير ومشكور، لكن كيف سيُترجم على أرض الواقع؟
– اعتبر البعض أنّ اللائحة وُلدت قسراً وقيصرياً، وأنّ الحل الديمقراطي يقضي بتقسيم بيروت إلى بلديتين (أو أكثر)، وهو طرح في منتهى الخطورة، يُعادل في أبعاده ومراميه وخفاياه وتداعياته طرح تقسيم لبنان، فكيف سيتُم التصدّي له؟
– أصبح لزاماً القيام بـ «نفضة» كبيرة في تيار المستقبل، والنظر إلى معارضي الرئيس الحريري على أنّهم خصوم سياسيون، وليسوا أعداء له، ولا هم خونة للطائفة السنّية، بل لديهم وجهات نظر متباينة لطالما تمَّ تجاهلها أو إدانتها بقسوة، ويُستحسن الاستماع إليها بجدّية وتقييمها ومحاورتها، اسوة بالانفتاح السياسي السنّي على بعض القيادات والشخصيّات.
باعتقادي، إنّ الخطوة التالية يجب أن تتمحور حول تشكيل «مجلس بلدية ظل» كي يقوم بمراقبة ومتابعة ومحاسبة المجلس البلدي المُنتخب، وألا يكتفي بالمراقبة بل يُقدّم على طرح المشاريع والمقترحات للعمل البلدي المنتج. وعلى مجلس بلدية بيروت المُنتخب التعاون والتنسيق مع «مجلس الظل» احتراماً لحجمه الانتخابي، وتكريساً للديمقراطية التوافقية المعتمدة نهجاً في لبنان، وقرناً بالفعل لقول الرئيس الحريري.