IMLebanon

انتخابات بيروت سبعُ إيجابياتٍ وفضيحة

حمّى الانتخابات البلدية في بيروت تتصاعد، والكلام على تأجيل الانتخابات يتبدّد. التجربة الديموقراطية الموعودة تحمل إيجابياتٍ غير متوقعة، ولا كأنّ الانتخابات تجري في بلدٍ مَدّد مرتين لمجلسه النيابي، واستغرق نحو ثمانية أشهر للبدء في رفع القمامة تاركاً مكانها روائح نفّاذة.

الإيجابية الأولى: غياب المال السياسي. لائحة السلطة أُعلنت من «بيت الوسط» بالحدّ الأدنى من البهرجة، نظراً للأزمة المالية المُطبقة على صندوق تيار «المستقبل» الانتخابي وصناديقه الأخرى. وبالطبع، لا يتوقّع أيٌّ من الناخبين أن يتقاضى رشوة من شربل نحاس أو من منافسيه على اللائحة اللاسلطوية الأخرى.

الإيجابية الثانية: استعراضيّة البرامج الانتخابية، التي أتاحت مشاركة شعبية في النقاش العام. هذا الانتشار لم يكن متاحاً قبل هبّة «وسائل الاتّصال الاجتماعي». وشكلت فكرة «بوسطة» «مواطنون ومواطنات في دولة» حدثاً بحدّ ذاتها، لا لقلّة المرشحين الذين أقلّتهم، بل لأنها بدت كمن يطوي صفحة شرارة الحرب الأهلية التي أشعلها اعتداء على بوسطة عين الرمانة.

الإيجابية الثالثة: المشاركة النسائية في الترشّح. خطوة إصلاحيّة حقيقية وجريئة أن تعمَد لائحة «بيروت مدينتي» إلى تسمية نصف أعضائها من النساء. ومن المفترض أن تشكّل زحمة المرشّحات دافعاً لزحمة ناخبات حُرّات خارجات على سلطة الذكور.

الإيجابية الرابعة: أنّ عهد ولاية المجلس البلدي لبيروت ستنتهي، وستنتهي معها سلسلة طويلة من الفضائح والارتكابات المالية والعقارية التي ظلّلت موقع رئيس البلدية. هناك وجوه شبابية باقية لا شكّ في نزاهتها، ولكن ما اتّهم به رئيس البلدية وعلاقته المضطربة مع وزارة الوصاية جعلت من بلدية بيروت من أكثر البلديات عجزاً.

الإيجابية الخامسة، وربما تكون الأهم: أنّ الاصطفاف السياسي والمذهبي، اختفى بسحر ساحر عن شوارع بيروت. «الفان رقم أربعة» يعبر قصقص كالنسيم العليل تحت صور الراحِلَين رفيق الحريري ووسام الحسن و «الشيخ سعد» ووزير الداخلية «أبو صلاح».

الإيجابيّة السّادسة: إعادة تعريف «البيارتة» وباقي اللّبنانيين بالأماكن العامة، من الرّملة البيضاء إلى «حرج بيروت» و «الزيتونة»، المُغيّب اسمها إلى الحدائق الصغيرة المتناثرة بين وحوش الباطون المنتصبة في الأحياء. لا بل إنّ لائحة «البيارتة»، الفائزة سلفاً بهمّة أركان السلطة، اعتمدت المنارة القديمة شعاراً لها. وهذا المعْلَم الذي اختفى خلف عمارةٍ شاهقة بناها «قريبٌ من السلطة».

الإيجابية السّابعة: نظافة الحملات، بالمعنى الحقيقي لا المجازي. نجح محافظ بيروت القاضي زياد شبيب، في الحدّ من عشوائية الصور وخصص لها ألواحًا لائقة.

إيجابيّاتٌ لا تنتهي، وتبقى مقابلها سلبيّة تلامس الفضيحة. هل يُعقل أن تُعرف نتائج الانتخابات البلدية في بيروت بمجرّد إعلان لائحة «السلطات». هذه الفضيحة اسمها قانون الانتخاب الأكثريّ، المُلغي لكلّ صوتٍ مدني غير طائفي، خارج على سلطة المحاصصة والمنافع والمفاسد. قانون الانتخاب، الذي يجعل بلدية بيروت دائرةً واحدة، لا تستطيع إلا السلطة الطائفية الإمساك بها. القانون الانتخابي الذي يجعل من ساكني بيروت غرباء عنها.

لو صفَتْ نيات أهل السلطة لشكّلت لهم هذه الانتخابات فرصة لاختبار النسبية كنظام. لكن المطلوب إعادة إنتاج فساد قائم بوجوه جديدة. «أحد» الانتخاب سيكون أحد البحر والجبل، الناخبون الموقنون من نتائج الصناديق لن يجدوا ما يحفّزهم على الاقتراع في يوم عطلة. مرْحَباً بالمجلس الجديد القديم، وأهلاً بـ «كاميرات المراقبة الجديدة».