حتى الساعة، وبعد مرور أربعة أيام على وقوع الإنفجار في مرفأ بيروت والذي أدى إلى سقوط مئات الشهداء والمفقودين، وآلاف الجرحى، عدا عن تشريد أكثر من ثلاثمئة عائلة خارج عاصمتهم… لم تصدر أي جهة مُمثِلة للشعب أي إعتذار رسمي لهم. لا بل، فوجئ المواطن المفجوع بكمٍ هائل من تقاذف التهم بين المسؤولين، وفوضى في التصريحات والمواقف. حقيقة مؤسفة، لا تُبشّر بالخير ولا تطمئن المواطن المنكوب الى جدية توجه السلطات نحو إجراء تحقيق موثوق وشفاف في قضيته.
ساهم الدمار والإهمال في إشاعة حالة من الاحتقان. بيروت اليوم، قنبلة غضب موقوتة. وفي وقت يسأل الطفل “بأي ذنب قُتل أبي” ويشعر فيه البيارتة أنهم تعرضوا لنوع من الإبادة الجماعية… سارع مجلس الوزراء لتشكيل لجنة تحقيق محلية بالانفجار لإدارة التحقيق في الأسباب التي أدت إلى نكبة بيروت، ورفع تقرير بالنتيجة إلى مجلس الوزراء خلال مهلة أقصاها خمسة أيام، بدأت الأربعاء. وبانتظار النتيجة، يسأل المواطن المنكوب: هل يمكننا اعتبار تفجير بيروت “جريمة ضد الإنسانية؟”.
تقنياً “ليس بعد”
توجهنا بالسؤال إلى المحامية ديالا شحادة فشرحت لـ”نداء الوطن” أنه “لتوصيف الجريمة يُفضل انتظار التحقيق، ولكن نظرياً يمكننا الجزم أنها ليست جريمة “إبادة جماعية” إذ أن الفعل الاجرامي ليس موجهاً بشكل خاص ضد مجموعة قومية أو اثنية أو دينية محددة ففي حالة التنوع الموجود في المنطقة المتضررة لا يمكننا اعتبارها كذلك. أما الجريمة ضد الإنسانية فهي تلك الجرائم التي ترتكب ضد الانسانية بالقتل العمد، والإبادة، والتعذيب، “والإخفاء”، وترتكب في إطار “هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين ولا تختلف جريمة ضد الانسانية عن جريمة الإبادة الجماعية من ناحية القتل والتدمير الا انها تختلف من حيث الهدف، فالركن المادي يتحقق في الجريمتين فكلاهما يجب أن يكون الفعل المكون لها جزءاً من هجوم واسع النطاق أو منهجي. كما يجب أن يثبت أن هناك جهة منظمة قامت بالتخطيط وارتكاب الجرم وقصدت استهداف المواطنين. وعليه علينا انتظار التحقيق كي نتأكد ما اذا كان الهدف مقصوداً والقتل عمداً وبالتالي “تقنياً، لا يمكننا حتى الساعة الجزم في كون انفجار بيروت جريمة ضد الإنسانية أم لا”
وأضافت شحادة “هناك توصيف قانوني آخر يمكنه أن ينطبق على انفجار بيروت إذا ثبت مثلاً أن هناك طائرة وقصفاً أدى إلى الإنفجار وهو”جريمة عدوان” تتعلق بشن دولة هجوماً مسلحاً واسع النطاق على دولة أخرى ذات سيادة وتحديد قادة الدولة المعتدية المسؤولين عن ارتكاب الجريمة” وأكملت: “المستغرب هنا، وهو الأهم، لماذا تم استبعاد هذا السيناريو بالتحديد ولماذا سارع بعض الجهات الحزبية وبعض المسؤولين إلى تبرئة أي جهة خارجية من ارتكاب الجريمة قبل البدء بالتحقيق”.
ثقة أم شكوك
وفي حديث هاتفي مع “نداء الوطن” اعتبر الوزير السابق زياد بارود “أننا أمام حدث مفجع وجريمة كبيرة، وأن خمسة أيام للتحقيق هي مدة قصيرة تبعاً لحجم الكارثة إلا أنها يمكن ان تنتج عنها خيوط أولية تمهد لإستكمال التحقيق” وأكمل: “لا يمكننا إقران حادثة تفجير مرفأ بيروت بأي توصيف قانوني سواء جريمة ضد الانسانية أو غيرها، قبل صدور التقرير الرسمي للجنة التحقيق المحلية نهار الإثنين المقبل والذي برأيه”سيكون مؤشراً لمدى جدية التحقيق من عدمه” وأضاف: “نحن أمام حدث كبير وغضب جارف لا يحتمل التدخل السياسي، وعليه أراهن اليوم على القضاء اللبناني الذي يدرك حجم المأساة وحجم الدمار وعدد الضحايا الكبير والأضخم من زواريب التدخل السياسي. هذه المرة غضب الناس نهر جارف وبالتالي أتوقع أن يعطي التحقيق اجوبة مقنعة”.
ولفت بارود إلى أنه من المبكر الحديث عن “تدويل التحقيق” ولكن في حال كان لا بد من التوجه نحو محكمة دولية، سيحتاج ذلك القرار إلى المرور على الحكومة اللبنانية وربما مجلس النواب، إلا إذا تم تحت عنوان الفصل السابع في الأمم المتحدة، أي إذا تم فرضه بالقوة على لبنان ولكنه سيناريو بعيد حتى الساعة ولن يحدث ما لم يفشل التحقيق المحلي بالخروج بنتائج مقنعة وجدية”.
“هيومن رايتس ووتش”
في السياق، عبرت الباحثة آية المجذوب من هيومن رايتس ووتش لـ”نداء الوطن” عن قلقها وشكوكها “حول جدية التحقيقات المحلية التي تديرها الدولة حالياً في التحقيق بحادثة التفجير في بيروت، خصوصاً بعدما وثّقت العديد من المنظمات الحقوقية اللبنانية والدولية على مدى سنوات التدخلات السياسية في القضاء وانتقدت عدم جديته ولااستقلاليته، وعدم وصول لجان تحقيق سابقة إلى أي نتيجة فعلية لمحاكمة المسؤولين عن قضايا أثيرت في فترات ماضية”
علاوة على ذلك، أشارت المجذوب إلى أن “كل المؤشرات تدل على أن هناك إهمالاً فادحاً. مثلاً بدء تسريب المستندات العشوائي، وتبادل الاتهامات في سوء الإدارة، والتنازع في تحميل المسؤوليات، بالإضافة إلى عدم توقيف أي شخص إحتياطياً كما أن هناك أدلة أولية تشير إلى أن بعض القضاة كانوا على علم بتخزين نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت ويُزعَم أنهم لم يتحركوا وهي نقاط يجب التوقف عندها. كما أن هناك تقاعساً متكرراً للسلطات اللبنانية عن التحقيق الجاد في الإخفاقات الخطيرة للحكومة، وانعدام ثقة الناس في المؤسسات الحكومية، فالضمانة الأفضل لإنصاف ضحايا الانفجار تكون بتحقيق مستقل بواسطة خبراء مستقلين ومحايدين ومحررين من اي قيود وذلك عبر تحقيق دولي بعيد عن التدخلات السياسية”.