إنفجر نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، فدوّى فساد الطبقة الحاكمة في المجالس العالمية. تطايرت بيروت أشلاءً، وتطايرت المسؤوليّات تقاذفًا تحت مظلّة الصلاحيّات. يتجنّب الطاقم السياسي في لبنان، تكليف هيئات ولجان تحقيق وخبراء دوليين لكشف مسبّبات هذه الفاجعة، ويحتكمون للقانون اللبناني وللخبرات والكفايات المحلّية. فهل للقانون اللبناني سلطة لجهة محاسبة المسؤولين، كلٌّ بحسب صلاحيّته، على هذه المذبحة؟ وما هو دور مجلس النوّاب؟
يتبيّن في حديث مع رئيس منظمة «جوستيسيا» الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص، أنّ القانون يحدّد صلاحيات مدير عام الجمارك في مراقبة جميع الدوائر بوجهٍ عام وفقاً لهيكليّة إدارة الجمارك، ويفرض على المجلس الأعلى للجمارك، أن يكون مسؤولًا عن أعماله أمام وزير المالية. أمّا المادة 80 من تنظيم وزارة المال، فتوكل بموجبها إلى دائرة المانيفست والمخازن الجمركية والمنطقة الحرّة العمومية، مهمّة مراقبة مدّة مكوث البضائع في المخازن الجمركيّة.
يحمّل مرقص المسؤوليّة المشتركة، بدرجاتٍ متفاوتة، على كل من رؤساء الحكومات والوزراء المتعاقبين المختصّين، والمدراء المدنيين والأمنيين المشرفين على المرفأ، كما حمّل المسؤوليّة ولو إحتماليًّا، للقضاة المتعاقبين على الملف في حال ثبوت تقصيرهم.
يحذّر الدكتور بول مرقص من تكرار تجربة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، عبر إهمال مسرح الجريمة حيث لا طوق مُحكماً، ويتخوّف من نسيان المفقودين ومن التحجّج بالبيروقراطية للتملّص من المسؤولية. ويدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، وذلك بناءً على قرار مجلس الأمن الذي سيجتمع في الأيّام القليلة المقبلة، لاسيّما وأنّ لهذه الجريمة تأثيرات متوسطيّة ودولية، لكونها وقعت في مرفأ بحري. يلفت مرقص أنّ التحقيقات اللبنانية خاضعة للتسييس، كما ثَبُتَ، ولا تسفر في قضايا كبرى. لذلك يشدّد على ضرورة تشكيل بعثة تقصّي حقائق كحدّ أدنى، بحال تعذّر تشكيل لجنة تحقيق دوليّة، مؤيّدًا مبادرة نقابة المحامين وطرح النقيب ملحم خلف، بالإدّعاء والإستعانة بخبراء دوليين إلى جانب الخبراء المحليين.
في هذا السياق، يخشى الدكتور بول مرقص من أن يكون تصريح الحكومة وتعهّدها بكشف الحقائق، محاولة للتملّص من إمكانيّة الذهاب إلى تدويل القضية، علمًا أنّ هذه الخطوة تحتاج إلى موافقة محليّة وعلى موافقة أكثرية الدول الأعضاء في مجلس الأمن الخمسة عشر، وعدم استعمال حق النقض-الفيتو من قبل إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
من جهة أخرى، يستغرب الدكتور مرقص ترك موضوع التخزين والنقل في يد قضاء العجلة تحديدًا، فيما الأمر يتعلّق بمصلحة الدولة العليا والسلامة العامة والأمن العام، وترعاه نصوص وبروتوكولات. وينوّه على ضرورة مراجعة خطّة طوارئ الحوادث في البلاد.
إنّ المرسوم الإشتراعي رقم 52، الصادر بتاريخ 5/8/1967، يفرض إعلان حالة الطوارئ، عند تعرّض البلاد لخطرٍ مداهم ناتج من حرب خارجية أو ثورة مسلّحة أو أعمال أو إضطرابات تهدّد النظام العام والأمن، أو عند وقوع أحداث تأخذ طابع الكارثة، تمامًا كتفجير مرفأ بيروت وما نتج منه، خصوصًا وأنّ لبنان لا يزال في حالة التعبئة العامّة في سياق مكافحة فيروس كورونا.
يعتبر المرجع القانوني، أنّ تهدئة النفوس تبدأ باستقالة الوزراء والمدراء المعنيين فورًا وتلقائيًّا. علمًا أنّه يجب على مجلس النواب الإنعقاد في مهلة ثمانية أيّام وإعلان حالة الطوارئ، كما يترتّب عليه أن يمارس واجباته في تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، وأن يطرح الثقة بالوزراء المعنيين، وأن يفعّل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، على الرغم من بعض الملاحظات المبدئيّة عليه.
وتساءل مرقص عن صوابية قرار الحكومة الإقامة الجبرية، وعدم تركها محفوظة للقضاء، الذي بدوره كان يجدر به إظهار تحرّكه بقوّة بعد مرور 36 ساعة على وقوع الكارثة لإستدعاء المسؤولين أمامه.
في تفنيد للمواد القانونيّة، وبحسب المادة 547، من قَتل إنساناً «قصداً»، عوقب بالأشغال الشاقة من خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة. ويعاقب القانون بالأشغال الشّاقة لخمس سنوات على الأقل، كل من تسبّب بموت إنسان «من غير قصد القتل»، أي بالضرب أو بالعنف أو بالشدّة (أو بأي عمل آخر) مقصود، كما تنصّ المادّة 550. وفي ظلّ تقاذف المسؤوليّات، إنّ الإهمال أو قلّة الإحتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة والتي تسبّبت بموت أحد عن غير قصد، أو بحريق شيء يملكه الغير، أيضًا جريمة يحاسب عليها القانون في المادة 564 والمادة 593. في جميع الحالات، وإستنادًا إلى المادة 189، تُعدّ الجريمة مقصودة، وذلك إن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل، إذا كان قد توقّع حصولها فقبل بالمخاطرة. وهذه المادة لا تعفي أحدًا من المسؤوليّة، إذ أنّ غالبية المسؤولين كانوا على علم بتواجد هذه المواد المتفجّرة والخطيرة في مرفأ المدينة المنكوبة.