Site icon IMLebanon

ليس حادِثاً ولَيسوا شُهداء

 

لم يعد الفساد بلاء لبنان، وربّما لم يكن إلّا علّة من علل غياب الثواب والعقاب في دولة اللامؤسسات، لتبقى مصيبتنا الكبرى هي مشروع إبادة كلّ مكوّنات هذا البلد، من بشرٍ وحجرٍ ومرافِق اقتصادية، حسبما تُبيّن الجرائم والإرتكابات المتواصلة منذ صدر قرار مُصادرة لبنان، بسيادته وأمنه واقتصاده، لحساب المِحور وأتباعه.

 

هنا بدأ التدمير المُمنهج المتواصل بإصرار لئيم، وصولاً الى تفجير بيروت.

 

بالتالي ليس حادثاً ما جرى، وإنّما جريمة موصوفة.

 

وليست مسألة إهمال الّا في إطار ما يُراد لها أن تكون عبر تضليل مُبرمج ومُغرِض.

 

وعندما يقول تقرير روسي إنّ ما تفجّر في المرفأ هو فقط 300 طن من أصل 2700 طن من نيترات الأمونيوم، فهذا يعني بكلّ بساطة أنّ البضاعة القاتلة كانت تُستورد لغايات بعينها.

 

وبمعزل عن سبب الإنفجار، صاروخ إسرائيلي أو تلحيم فجوة في الباب، مع صورة من باب الإحتياط لدعم الرواية بأدلّتها، فقد كشف هذا البلاء الأعظم أنّ من يستفيد من التدمير المُمنهج لن يتوقّف لأنّ بضعة مئات قُتلوا وبضعة آلاف جُرحوا، وأنّ المفقودين صاروا في ذمّة الله، ولا لزوم للمُتاجرة بهم، كما يحصل في ملفّات مُشابهة موروثة من الحرب الأهلية.

 

ولا بأس إن أُبيد ما تبقّى من مؤسسات تجارية، فهذا هو المطلوب، لأنّ إفقار الشعب هو بند من بنود أجندة التدمير المُمنهج. فشعب منزوع الأمان وفقير مُعدم لا قدرة له على الهجرة، هو المُرتجى لأصحاب الأجندة.

 

بالتالي، لم تصل نيترات الأمونيوم بالصدفة الى بيروت، ولم تُخزّن بطريقة عشوائية، ولكن بطريقة مدروسة تدلّ عليها النتائج والخلاصات التي بدأ يجنيها المِحور وأتباعه.

 

وليسوا شهداء من حصدتهم الجريمة الموصوفة، فهم لم يقضوا دِفاعاً عن قضية يؤمنون بها، أو على يد عدو غاشم إختاروا أن يواجهوه.

 

ليسوا شهداء، وإنّما ضحايا الجهة التي ارتكبت هذه الجريمة الموصوفة، والرافضة لجنة تحقيق دولية تنتقص من السيادة، وتهدر وقتاً ثميناً لا يريد العهد القوي أن يُفرّط به، إلّا اذا كانت رتبة الشهادة التي تسبغ على الضحايا، هي السبيل لمنح القاتل براءة ذمّة ممّا ارتكبه.

 

وليسوا شهداء، إلّا اذا كان المقصود أنّهم قضوا في سبيل أن يُحقّق مِحور إيران وأتباعها مشروعه على حساب دم اللبنانيين، من دون أي تمييز بين أشرف الناس وغيرهم من مواطني الدرجة الثانية، ما دام المطلوب تحويل “حادث” الإنفجار نصراً وفرصة للخروج من العزلة الراهنة، وعودة المجتمع الدولي الى التعاطي مع العهد القوي، على أن تُمهّد هذه العودة لسبل جديدة في السير بخطط ستظهر تباشيرها وبواكيرها بعد حين.

 

وفي مقدّمة هذه التباشير، تحويل المواطنين اللبنانيين كائنات تعيش بالحدّ الأدنى، ما يُمكّن أصحاب المشروع من التحكّم بكلّ كبير أو صغير، هذا إذا بقي من يتحكّمون به، وذلك في إطار التدمير المُمنهج للإنسان، بالتزامن مع التدمير المُمنهج لمقتدرات بلد.

 

واذا لم تفكّ جريمة التفجير العزلة الحالية، ولم يمدّ المجتمع الدولي هذا العهد ومن يُديره بالمساعدات والدعم اللازم ليستثمر في الكارثة، حينها للحادث حديث واحد أوحد، وهو التآمر الكوني على “المقاومة” وسلاحها، حتى لو أدّى هذا السلاح الى مزيد من الإبادة، إن في لبنان أو حيث تستدعي مصلحة المِحور.

 

والتحدّي اليوم يكمن في قدرة اللبنانيين على العودة الى المواجهة بمشروع سياسي واضح، يضع الأصبع على مصدر التدمير المُمنهج، ولا يكتفي بإستقالة حكومة غير موجودة أصلاً إلّا من باب التهريج السمِج، أو عبر شراء الوقت بوعود تتعلّق بالإنتخابات النيابية المبكرة.

 

المطلوب أن يعي اللبنانيون أنّ رأس الأفعى هو ما يجب قطعه، وليس أقلّ، وإلّا ستبقى الإبادات الجماعية في خانة “الحوادث”، وستكبر قافلة الضحايا الذين لن يُحاسَب قاتلهم، ما دامت بِدعة تسميتهم شهداء تكفي ليرتاح ضميره، مُعتبراً أنّه منح هؤلاء الضحايا رتبة على مُحبّيهم أن يكتفوا بها… وإلّا…

 

لِذا، احذروا إغضاب هذا القاتل الحاضر لجعلكم تترحّمون على “حادثة تفجير المرفأ” كما ترحّمتم على غيرها، واللائحة طويلة، وفكّروا في الأثمان الدموية التي تنتظركم لأنّكم لم تستخلصوا منها الإيجابيات المطلوبة.