Site icon IMLebanon

المتّهمون بالتفجير فرضوا خطابهم وامتصّوا غضب الشارع

 

لم تنتظر السلطة المثبت استهتارها بأرواح الناس والمتهمة بالتسبب بتفجير بيروت أن تجفّ دماء الضحايا عن الطرقات حتى سارعت لمحاولة تجاوز الإنفجار، ومضت لترمي الحدث خلفها وتبثّ أجندتها السياسية بين الناس لتنسيهم فعلتها. هي دعاية خبيثة لقيت صدى لدى بعض الجمهور فانساق لخلافات افتعلت لتنسي الناس المجزرة. واللافت قدرة السلطة، حتى اللحظة، على امتصاص الغضب الذي كان يفترض أن يفجّره التفجير، خصوصاً وأنه لم يكن حادثاً عرضياً. فاستخدم المتهمون بالتسبب بالكارثة تكتيكات عدة لإحباط مطلب المحاسبة. وبعد 18 يوماً على المجزرة وإطباق المنازل على رؤوس سكانها، لم تعلن السلطة عن نتائج التحقيق الذي وعدت الشعب بها خلال خمسة أيام. فالبعض أمل أن يختلف تعاطي المسؤولين بعد هول الفاجعة، وانتظر نتائج تحقيق يدرك مسبقاً أنه ساقط إذ يديره المتهمون أنفسهم.

في حديث إلى “نداء الوطن” تشير الباحثة والأستاذة في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، الدكتورة وفاء أبو شقرا، إلى أن حدث 4 آب وكونه حدثاً جللاً، أخذ حيّزاً إعلامياً كبيراً في الأيام الأولى. “في الأيام الأولى لم يتّهم الإعلام أحداً، تحدث عن الفساد من دون تحميل أحد المسؤولية المباشرة، وصمت من في السلطة، فاعتمدت التغطية الإعلامية على استقبال محللين وخبراء. لكن بعد يومين أو ثلاثة انفجرت المنظومة الإعلامية كالأمونيوم وهنا الكارثة. بدأت الوسائل الإعلامية توضّب الساحة لتوجيه المعارك السياسية، فالتفّت السّلطة عبر الإعلام لتدخل الخطاب الذي تريد أن تروّجه”.

وفي السابع من آب، أي في اليوم الثالث بعد الإنفجار، ألقى الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله خطاباً لتبرئة حزبه من الاتهامات بتخزين السلاح في المرفأ، وبأنه الجهة التي تشحن نيترات الأمونيوم إلى لبنان. فنفى نصرالله أي علاقة للحزب بوجود مواد متفجرة أو أسلحة في المرفأ، ونفى علمه بوجود نيترات الأمونيوم. خطاب لم يصدّقه الكثير من جمهوره حتى، لكنه هدف لنفي الفرضيات التي تمّ تداولها بقوة بين الناس. في هذا الوقت تجنّب جبران باسيل الظهور الإعلامي، خصوصاً وأنه اتهم وتياره الذي يرأسه بالمشاركة بالتسبب بالتفجير، بناءً على معرفة رئيس الجمهورية ومستشاريه وموظفين منتمين للتيار بوجود هذه المواد في المرفأ. واتهم باسيل باستخدام ابنه في دعايته السياسية لاستعطاف الجمهور والإشاحة بنظر الناس عن هول الكارثة وفرض نقاش جديد حول مظلومية ابنه يلهي الناس عن الجريمة الحقيقية. إذ نشر ابن باسيل، بعد 6 أيام من التفجير “فيديو” عبر “انستغرام” يشكو فيه تعرّضه للتنمّر، في وقت سقط فيه الآلاف من أطفال بيروت بين شهداء وجرحى، فيما تيتّم آخرون، أما الباقون فلا يزالون تحت هول الصدمة.

ترى أبو شقرا أن باسيل استخدم فيديو ابنه ليموّه عن القاتل ويأخذ القضية باتجاه مختلف، “تقصّد باسيل نشر الفيديو لاستخدامه في الحرب النفسية، وهي محاولة لوضع نفسه مكان الضحية لاستجداء العطف. إذ لم يجرؤ على الظهور إلا في ما بعد عندما بردت الأمور وبدأت تذهب باتجاه دهاليز السلطة، فهو يضع نفسه في جلدة الضحية وهي آليات استخدمها اليهود عبر التاريخ”.

أساليب أخرى لجأ إليها بعض الجهات السياسية عبر إعلامها لتقويض المطالبة بالحقيقة وبتحقيق شفاف. فحاولت وسائل إعلامية الحديث عن تعمد تهميش منطقة الخندق الغميق، وعن الإهتمام الإعلامي بضحايا دون آخرين، لتعزيز العصبيات وبثّ التفرقة بين المواطنين الذين يقتلهم فساد السلطة. كما مضت هذه الوسائل في الحديث عن التسويات السياسية وتصويرها انتصاراً سياسياً مبتهجة بفك الحصار عن لبنان، متناسية أن قضية المواطن هي الجريمة والمجرمون. بينما حاولت وسائل أخرى تصوير المجزرة على أنها استهداف لطائفة دون أخرى. ترى أبو شقرا أن لهذا النوع من الخطاب “خبزاً” في لبنان، “فالخطاب الطائفي سلاح السلطة الوحيد، وقد عملت السلطة بعد 4 آب لتثير هذه الجماعات. لكن بالنسبة لي وصل هذا الخطاب الى الذروة والناس متنبهون لاستخدامه. وانفجار 4 آب خلط الأوراق وفاجأ السلطة التي استغربت هي نفسها حجم فسادها، وقد سقط فيه ضحايا من كل الفئات الإجتماعية والطوائف”.

وفي حين يطرح الإنفجار العديد من التساؤلات عن أسبابه، وإن وقع بفعل عمل ارهابي متعمد، إن من إسرائيل أو غيرها، يبدو أنّ هناك حقائق يجري طمسها وممنوع على الضحايا معرفتها، وتؤكد أبو شقرا “أننا لن نعرفها لأننا محكومون من قطاع طرق”.