أعلن اليوم، أن مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، بدأت التحضير لتحويل أرض في منطقة تل عمارة في البقاع، إلى غابة أرز شهداء إنفجار مرفأ بيروت، حيث ستزرع 200 أرزة ترمز كل منها إلى شهيد من ضحايا الإنفجار.
بالطبع هي بادرة محمودة، وشكرا لمصلحة الأبحاث الزراعية على هذه البادرة الأخلاقية الجميلة. لكنني أقول: إنه لا توجد أيّة بادرة تنعش قلوب الضحايا الأحياء، وتفرح أرواح الضحايا في السماء، سوى مبادرة إحالة هذا الإنفجار الجريمة، إلى المحكمة الجنائية الدوليّة.
المحكمة الجنائية الدوليّة: تأسست نتيجة اتفاق روما الذي وقع عام 1998، ودخل حيز التنفيذ عام 2002. هي محكمة مستقلة غير سياسية، ولا تخضع إلى طغيان القوى العظمى. ولا تفرض على لبنان أن يدفع مليار دولارا آخر، وأن ينتظر خمس عشرة سنة لتصدر محكمة الدرجة الأولى فيها، حكمها الأولي.
وقد ولدت المحكمة، بعد مفاوضات شاركت فيها كل دول المجتمع الدولي، وبإرادات حرّة. وكانت اللأمم المتحدة تدفع كلفة سفر وإقامة ممثلي الدول النامية لكي لا يحتج أي بلد بمشاكله الإقتصادية فلا يشارك. وكانت تغطية كلفة الوفود تتم من صندوق مستقل تديره الأمم المتحدة، لكي لا تشعر الوفود بأنها ملزمة بمراعاة أحد خلال المناقشات التحضيرية. لبنان لم يستفد من الصندوق، وتم تمثيله من خلال بعثتنا في نيويورك، وبمبادرة تلقائية مني، بصفتي نائب رئيس البعثة، وبعد موافقة رئيس البعثة في حينه، السفير د. سمير مبارك. فالحكومة اللبنانية لم تطلب مشاركتنا كما لم تعارض هذه المشاركة، واستلمت تقاريري كلها، وبرقيات بعثتنا شبه اليومية، وغيرها من الوثائق، لكنها لم تكن ترد على مراسلاتنا، ولم تؤمن لنا أيّة معطيات أو مساعدة أو مشورة. أنا أشكر حضرة المدعي العام الدكتور عدنان عضوم الذي صار لاحقا وزيرا للعدل (2004)، والذي قال لي في حينه، أن مراسلاتي جعلتهم يعيشون مناقشات المفاوضين كاملة، لكن كان من المفترض أن يتألف وفد قضائي كبير، للمشاركة في المناقشات التحضيرية لإنشاء المحكمة. صادف أنني قانوني، وأنني ملمّ بالقضايا القانونية الدوليّة، وخاصة بقوانين الحرب، والقانون الجنائي الدولي، ومواضيع الإرهاب، فماذا لو لم أكن قانونيا؟ كما أنني لم أستطع طبعا، أن أشارك في كل مجموعات العمل التي توزعت عليها المناقشات التحضيرية. فقد كان علي أن أختار ما أعتبرته مهما في حينه، من أجل حماية حقنا الطبيعي بمقاومة الإحتلال الإسرائيلي لأراضينا الوطنية، لا سيما وأنني لمست مسعى أميركيا وإسرائيليا لتحويل بعض الفقرات في مشروع شرعة المحكمة، إلى قواعد قانونية جنائية تجعل من بعض أنشطة المقاومة في حينه، جرائم حرب. وكنت أطلق على تلك الفقرات عبارة «فقرات أطفال الحجارة في فلسطين وأشبال المقاومة في لبنان». وقد سمحت الحكومة اللبنانية بسفري إلى روما للمشاركة في المؤتمر الدبلوماسي لاستكمال الصياغة لكن من دون توقيع الإتفاق الذي تم في حينه. وتم انتخابي عضوا في لجنة الصياغة التي أشرفت على إعادة تنقيح العبارات القانونية، برئاسة الدكتور شريف بسيوني أحد أبرز فقهاء القانون الجنائي الدولي وقانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. ولكن وزير الخارجية خلال عام 2000 ، رفض منحي الإذن بالسفر لحضور الجلسة النهائية التحضيرية، قبل تحويل الجلسات إلى جلسات مغلقة لموقعي الإتفاق ومن يطلب الحضور كمراقب، وذلك بعد أن جاءت الولايات المتحدة إلى وزارة الخارجية وأبلغتها «إنزعاجها مني». الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا طرفين في الإتفاق ويكرهان المحكمة. ومن غير المفهوم لماذا أصر رئيس حركة أمل ورئيس المجلس النيابي ووزير العدل الأسبق المحامي نبيه بري على رفض إنضمام لبنان إلى هذا الإتفاق؟ هو أحد كبار «المقاومة» ولبنان كان يمكن أن يستفيد من المحكمة في وجه العدوان الإسرائيلي، لكن لا شك أنه وغيره من أركان هذه السلطة، وأمراء الحرب، الذين ما زالوا يستنهضون غرائز الناس سنويا باستذكار منظم، لشهداء «مواطنيهم» في الحرب الأهلية، بدءا بإمام لبنان المغيب السيد موسى الصدر، وصولا إلى ضحايا حزب القوات اللبنانية، ومرورا بضحايا الحزب التقدمي الإشتراكي والمردة و… هؤلاء المسؤولون يخشون ملاحقة المحكمة لهم يوما بسبب جرائم الحرب التي يستمرون في ارتكابها في لبنان.
تريدون العدالة للضحايا طالبوا إذا معنا بإحالة هذه الجريمة إلى المحكمة الجنائية الدوليّة.