IMLebanon

متواطِئون و”نفوذٌ خبيث”

 

تطوي جريمة تفجير مرفأ بيروت أربعينها بالنار. وكأنّ الإصرار على استكمالها لا توقفه أي عقوبات دولية او أي خسائر مالية. ولا يهتمّ صاحب المشروع بإبادة أبرياء، ذنبهم أنّهم يعيشون تحت رحمة مِحور، إهتمامه مُنصبّ على تنفيذ أجندته، مهما كانت الأثمان الدموية.

 

لذا، يبدو نافراً سعي الوسطاء الدوليين الى مقايضة المجرمين، بتلميح الى غَضّ النظر عمّا اقترفت أيديهم، مقابل التضحية بمن يُمكن التضحية به من المتواطئين، شرط إنسحابهم، وإفساحهم في المجال أمام من يمكن أن يضع قطار محاولة الإصلاح الفعلي على السكّة. ويخوض هؤلاء الوسطاء رهاناً خاسراً على إمكانية إنسحاب المجرمين الذين يديرون المنظومة السياسية، لعِلمهم بأنّ من يقايضهم قابضٌ على أدلّة تدينهم.

 

فهذه المقايضة لا تستوي أسسها، لأنّ أتباع المشروع الإقليمي لا يتورّعون عن إستخدام الورقة اللبنانية من دون أي توقّف، بالرغم من انهيار مقوّمات هذه الورقة. وكلّما حشرتهم المعطيات في الزاوية، يرفعون منسوب الإجرام والشراسة في وسائل استثمارهم.

 

ولا نعرف الى أين ستقود لعبة عضّ الأصابع بين إيران والولايات المتّحدة، وما سيؤول إليه مصير لبنان واللبنانيين، بعدما كشف المولى الحجاب عن بصيرة الإدارة الأميركية لتستنكر وتعاقب “المتسبّبين بالفساد في لبنان، والمسهّلين لـ”حزب الله” إستغلال النظام السياسي لنشر نفوذه الخبيث”.

 

فالحماوة في الإقليم على أشدّها، ومدمّرة إرتدادات سيل العقوبات لترويض أتباع المِحور.

 

وفي ردّ على باكورة العقوبات، أحيا المرتكبون أربعين التفجير بإصرار على منع أي سعيٍ للكشف عن مجاهل الإجرام، في المكان الذي عاثوا فيه فساداً طوال عقود، تحت أنظار متواطئين متغاضين فاسدين بموجب إتفاق بنده الوحيد تبادل الخدمات وِفق مبدأ “إطعم الفم تستحي العين”. وكيف إذا كانت العين لا تستحي أصلاً.

 

لذا، يبدو إتّهام المتواطئين، مِمّن تولّوا مسؤوليات إدارية وعسكرية في موقع الجريمة، بالإهمال خطأً بنيوياً. فهم كانوا على بيّنة ممّا يرتكبه من يسيطر على الموقع.

 

ولعلّ صدمتهم بالعقوبات والتوقيفات، مردّها الى تحوّلهم ورقة يمكن إحراقها في سبيل إستغلال القرارات الدولية، لمزيد من الإطباق على مفاصل الدولة. وكان الله في عون من يسحب اسمه في قرعة لعبة عضّ الأصابع خلال احتدام المواجهة بين المِحور والشيطان الأعظم.

 

وفي حين لا يمكن قراءة جريمة تفجير المرفأ بمعزل عن الجرائم المتعاقبة والمُؤَسِّسَة للتصرّف بالبلد ومرافقه ومفاصله، لا يمكن لتحقيق يتميّز بالحدّ الأدنى من النزاهة والموضوعية، أن يستند في إنطلاقته الى ملاحقة الأخطاء التقنية أو الجهل أو الإهمال أو التلحيم. والإكتفاء بمثل هذا التوجّه يشكّل جريمة موصوفة تنخرط في دورة الفساد التي تغطّي دورات متعدّدة، وعلى مستويات تبدأ بإدخال البضائع من دون جمرك ولا حسيب أو رقيب، ولا تنتهي بنيترات الأمونيوم والأسلحة الذكيّة والمخدّرات وكلّ عدّة الإرهاب والتخريب خدمة للأجندة.

 

كذلك العقوبات للضغط على المِحور وأتباعه، هي جريمة موصوفة، إذا اكتفت بالحدّ من “النفوذ الخبيث” حتى تستوي الصفقة المقبلة، التي سيدفع ثمنها اللبنانيون.