Site icon IMLebanon

مآسي «الإنفجار النووي» تحت زخ المطر

 

أما وقد أقبل فصل الشتاء. أما وأن الأمطار بدأت تزور كل المناطق بما فيها بيروت وعلى الأخص، تلك المنطقة المنكوبة منها التي شاءت «يقظة» المسؤولين وحرصهم على سلامة أوراح اللبنانيين عموما وأهل وسكان بيروت خصوصا، أن تبقى مئات العائلات البيروتية، في موجات أحزانها وآلامها وتشردها بين العراء القاتل، والمآوي المستعارة، واللجوء لدى الأهل والأصحاب، اتقاء لغدر الزمان وقساوة الطبيعة وطغيان الشتاء والبرد القارس، وفقدان المؤسسات والمتاجر وأبواب الرزق التي محتها الأقدار القاسية من الوجود. أما وأبناء مدينتنا يعيشون أحوال الذهول، وبعضهم يكاد ألاّ يصدق ما طاوله من أذى وما طرأ على حياته من خراب ودمار فجائي وصل إلى جحيم المأساة. أما وقد بدأ الجوّ الممطر مكلّلا بالبرق والرعد والعواصف اللافحة التي باتت تتسبب بخراب مستجد، أدى إلى خراب جديد إضافي طاول بعض المباني التي صمدت في مواجهة «الإنفجار النووي»، وما كان ينقصها إلاّ لفحات من الأجواء القاسية حتى تهوي وتتساقط، مذكّرة بفداحة الحدث المأساوي الهائل الذي مرّ عليه ما يزيد على أشهر ثلاثة، ولم يعرف المواطنون من أهل النكبة المباشرة والذين طاولهم الأذى على غفلة منهم وعلى صمت شبوه من المسؤولين صغارهم والكبار، دون أن نغفل كل الإحتمالات التفسيرية لما حصل، هل هي تدخل في إطار القضاء والقدر، أم هي جرم مقصود ومفتعل، ليتم التآمر الإجرامي على هذا البلد المنكوب، من خلال حرمانه من منطقة زاهرة وآسره من بيروت وتراث عمراني سيكون من الصعب إعادته إلى سابق عهده وبريق روعته العمرانية، وها هي «حيفا» تتهيأ بمينائها المرمم والمجدد والذي طاوله التوسيع والتحديث والعلاقات الإقليمية الجديدة وقد أصبح يزهو ويحاول جاهدا أن يرث ميناء بيروت ذلك القائم في مكانه وفي تاريخه وفي تفوقه ليكون منارة ورمزا للبنان الذي كان، سيدا في منطقته في كل المواقع والميادين، بما فيه الإطلالة المرفأية ومنارته السياحية والتجارية.

 

ان المنطلق في هذه الكلمة وفي غايتها، يتجاوز كل الأوضاع المتعلقة ببيروت المنكوبة، ليركز بشكل خاص، على أخوتنا في الوطن وفي المدينة وفي الإنتماء لهذه الزهرة المتلألئة التي أصيبت في صميم شموليتها ورمزيتها وكثافتها السكانية، هؤلاء ما زالوا منذ بداية المأساة قبل ما يزيد على أشهر ثلاثة، يسألون القاصي والداني بما تبقى لهم من وعي واستيعاب لما طاولهم من الحدث المأساوي، وهم اليوم يوجهون السؤال بشكل خاص، إلى المسؤولين الأشاوس في هذا البلد المنكوب، الغائب عن الوعي وعن المسؤولية والغائص في صميم الفساد وفي دهاليز الفتنة والضمائر العفنة، بل هم وقد استردّوا بعضا من وعيهم وإدراكا لأحوالهم المأساوية يكررون السؤال: ماذا حلّ بنا، ومن يتحمل مسؤولية عذاباتنا ومن يعيد إلينا منازلنا ومن يقينا بعد الآن من غدر الزمان ومسؤولية المسؤولين الغائبين عن كل الساحات، إلا ما طاول مصالحهم ومصادر نهبهم وعيشهم على حساب المواطن المنكوب إلى حد الوصول إلى صلب «جهنم» وبئس المصير، وفي ضمن لهبها المتعاظم، حالة الإفلاس العام لبلد معروف أصلا برخاء عيشه وصفاء أجوائه وإضافة إلى أوضاع الإفلاس المتغلغل إلى أوضاع المواطنين المتلاشية، خاصة منهم تلك الطبقة الوسطى التي تدهورت إلى حدود الاندماج مع أوضاع ما يزيد على خمسين بالمائة من مجمل المواطنين الذين أصبحوا في صلب حالات الفقر المدقع، يتحايلون بشتّى السبل للحصول على رغيف خبز يومي يقيهم من التلاشي إلى أقصى حدود العدم. ثلاثة أشهر مرّت وقد بتنا في صلب أيام لاحقة، ما زال القضاء فيها يبحث عن مزيد من البيّنات والقرائن التي تدل على الجريمة النكراء، أصلا وفصلا ومسؤولين، والقضاء الذي أوكلت إليه هذه القضية المأساوية، ما زال غارقا في أبحاثه وتحقيقاته وانتظاره للتقارير الخارجية، والنتيجة المطلوبة بإلحاح من أهل النكبة والمعاناة الذين يتوقون إلى معرفة الحقيقة وإلى تصويبٍ ما على الأيادي المسؤولة، خاصة منها أولئك المنتمون إلى فئات «الكعب العالي». وتمّر الأيام والأسابيع والأشهر والفصول وما زالوا على الوعد يا كموّن، وخارج المنازل وقد داهمتهم في بدايات هذه الأيام القاسية، أمطار لا ترحم وأضرار تلحق بما سبق حصوله من أضرار، وألم يواكب المواطنين في حلّهم وترحالهم وتشرّدهم، وكورونا مستمرة ومتفاقمة، تزيد الطين بلّة والأوجاع أوجاعا.

 

أيها المسؤولون الغائبون عن مسؤولياتهم: تذكروا أن المسؤولية لا بدّ وأن تلاحق أركانها، ولا يجدي التنصل منها والإختباء بشتى سبل التناسي والتهرّب وتحميل الآخرين ما هو واقع على أكثر من مسؤول على مستويات المسؤولية كافة. وليتذكر هؤلاء أن يوم الحساب قادم، ولا بد وأن تبرز معالمه وآثاره وتبعاته.